محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ} (10)

{ في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون 10 } .

المرض : السقم ، وهو نقيض الصحة ، بسبب ما يعرض للبدن ، فيخرجه عن الاعتدال اللائق به ، ويوجب الخلل في أفاعيله . استعير ههنا لعدم صحة يقينهم ، وضعف دينهم وكذا توصف قلوب المؤمنين بالسلامة التي هي صحة اليقين ، وعدم ضعفه ، كما قال تعالى : { إلا من أتى الله بقلب سليم } {[477]} أي : غير مريض بما ذكرنا أو استعير لشكهم ، لأن الشك تردد بين الأمرين ، والمنافق متردد ، كما في الحديث{[478]} ( مثل المنافق كمثل الشاة/ العائرة{[479]} بين الغنمين ) والمريض متردد بين الحياة والموت .

{ فزادهم الله مرضا } بأن طبع على قلوبهم ، لعلمه تعالى بأنه لا يؤثر فيها التذكير والإنذار .

وقال القاشانيّ : أي مرضا آخر حقدا وحسدا وغلا بإعلاء كلمة الدين ، ونصرة الرسول والمؤمنين ثم قال : والرذائل كلها أمراض القلوب ، لأنها أسباب ضعفها وآفتها في أفعالها الخاصة ، وهلاكها في العاقبة .

{ ولهم عذاب أليم } أي : مؤلم بكسر اللام فعيل بمعنى فاعل كسميع وبصير .

قال في ( المحكم ) : الأليم من العذاب الذي يبلغ إيجاعه غاية البلوغ . ومنه . يُعلم وجه إيثاره في عذاب المنافقين على " العظم " المتقدم في وصف عذاب الكافرين ويؤيده : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا } {[480]} .

{ بما كانوا يكذبون } الباء للسببية أو للمقابلة أي سبب كذبهم أو بمقابلته وهو قولهم : آمنا بالله وباليوم الآخر ، وهم غير مؤمنين . وفيه رمز إلى قبح الكذب ، وسماجته ، وتخييل أن العذاب الأليم لاحق بهم من أجل كذبهم مع إحاطة علم السامع بأن لحوق العذاب بهم من جهات شتى ونحوه قوله تعالى : { مما خطيئاتهم أغرقوا } {[481]} والقوم كفرة وإنما خصت الخطيئات استعظاما لها ، وتنفيرا عن ارتكابها .


[477]:[26/ الشعراء/ 89].
[478]:أخرجه مسلم في صحيحه في: 50 ـ كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، حديث 17 ونصه: عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين. تعير إلى هذا مرة، وإلى هذا مرة).
[479]:العائرة: المترددة والحائرة لا تدري أيهما تتبع. تَعِير أي تتردد وتذهب.
[480]:[4/ النساء /145].
[481]:[71/ نوح/ 25] ونصها: {مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا 25}.