وقوله : { مِن ذُرِّيَّتِي } [ إبراهيم : 37 ] .
يريد : إِسماعيل عليه السلام ، وذلك أَنَّ سارَّة لمَّا غارَتْ بهاجَرَ بَعْدَ أَنْ ولدَتْ إِسماعيل ، تشوَّش قلبُ إِبراهيم مِنْهُما ، فروي أنَّه رَكِبَ البُرَاقَ هو وهَاجَر ، والطفلُ ، فجاء في يَوْمٍ واحدٍ من الشامِ إِلى بَطْنِ مَكَّة ، فتركَهُما هناك ، ورَكِبَ منصرفاً من يومه ذلك ، وكان ذلك كلُّه بوحْيٍ من اللَّه تعالى ، فلمَّا ولي ، دعا بمضمَّن هذه الآية ، وأمَّا كيفيَّة بقاء هَاجَرَ ، وما صَنَعَتْ ، وسائرُ خَبَر إِسماعيل ، ففي كتابِ البخاريِّ وغيره ، وفي السير ، ذُكِرَ ذلك كلُّه مستَوْعَباً .
( ت ) : وفي «صحيح البخاري » من حديثه الطويل في قصَّة إِبراهِيمَ مع هَاجَرَ وولدِهَا ، لما حَمَلَهُما إِلى مكَّة ، قال : ولَيْسَ بمكَّة يَومَئِذٍ أَحَدٌ ، وليس فيها ماءٌ ، فوضعهما هنالِكَ ، ووضَعَ عندهما جراباً فيه تمْر ، وسقاءً فيه ماءٌ ، ثم قَفَّى إِبراهيم منطلقاً ، فتبعْتهُ أمُّ إِسماعيل ، فقالَتْ : يا إِبراهيم ، أيْنَ تَذْهَبُ ، وتَتْرُكُنَا بهذا الوادِي الذي لَيْسَ فيهِ أَنِيسٌ ، ولا شَيْء ؟ فقالَتْ له ذلك مِرَاراً ، وجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِليها ، فقالَتْ لَهُ : آللَّه أمَرَكَ بهذا ؟ قال : نعمْ ، قالتْ : إِذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا ، ثم رَجَعَتْ ، فانطلق إِبراهيمُ حتى إِذا كان عند الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لاَ يَرَوْنَهُ ، استقبل بوجهه الْبَيْتَ ، ثم دعا بهؤلاءِ الدعَواتِ ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ ، فقال : { رَبِّنا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المحرم } ، حتى بَلَغَ : { يَشْكُرُونَ } الحديثَ بطوله .
وفي الطريقٍ : «قالَتْ : يا إِبراهيم إِلى مَنْ تَتْرُكُنَا ، قال : إِلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ، قَالَتْ : رَضِيتُ ، انتهى . وفي هذا الحديثِ مِنَ الفوائِدِ لأرباب القلوبِ والمتوكِّلين وأهْلِ الثقة باللَّه سُبْحَانه ما يَطُولُ بنا سرْدُهَا ، فإِليك استخراجها ، ولما انقطعَتْ هاجَرُ وابنها إِلى اللَّه تعالى ، آواهما اللَّه ، وأنْبَعَ لهما ماءَ زَمْزَمَ المبارَكَ الذي جَعَله غذاءً .
قال ابنُ العربي : وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ ) . قال ابن العربيِّ : ولقد كُنْتُ مقيماً بمكَّة سنَةَ سَبْعٍ وثمانينَ وأربعمائة ، وكنتُ أَشْرَبُ مَاءَ زَمْزَمَ كثيراً ، وكلَّما شرِبْتُ ، نَوَيْتُ بِهِ العِلْمَ والإِيمانَ ، ونَسِيتُ أنْ أشربه للعَمَلِ ، ففتح لي في العِلْمِ ، ويا لَيْتَنِي شربْتُه لهما معاً ؛ حتى يُفْتَحَ لي فيهما ، ولم يُقَدَّر ، فكان صَغْوِي إِلى العلْمِ أَكْثَرَ منه إِلى العمل ، انتهى من «الأحكام » .
و«من » في قوله : و{ مِن ذُرِّيَّتِي } ؛ للتبعيضِ لأن إِسحاق كان بالشَّام ، و«الوادِي » : ما بين الجبَلَيْن ، وليس مِنْ شرطه أَنْ يكون فيه ماءٌ ، وجَمْعُه الضميرَ في قوله : { لِيُقِيمُوا } : يدلُّ على أن اللَّه قد أعلمه أنَّ ذلك الطِّفْلَ سَيُعْقِبُ هناك ، ويكونُ له نسلٌ ، واللام في { لِيُقِيمُوا } : لامُ كي هذا هو الظاهر ، ويصحُّ أَنْ تكون لام الأمر كأنه رَغِبَ إِلى اللَّه سبحانه أَنْ يوفِّقهم لإِقامة الصلاة ، و«الأفئدة » القلوبُ جمْع فؤادٍ ، سمِّي بذلك ، لاتِّقَادِهِ ، مأخوذ من «فَأَد » ، ومنه : «المُفْتَأَدُ » ، وهو مستوقَدُ النَّار حيث يُشْوَى اللحْمُ . وقوله : { مِّنَ الناس } : تبعيضٌ ، ومراده المؤمنون ، وباقي الآية بيِّن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.