الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{مُهۡطِعِينَ مُقۡنِعِي رُءُوسِهِمۡ لَا يَرۡتَدُّ إِلَيۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ وَأَفۡـِٔدَتُهُمۡ هَوَآءٞ} (43)

و«المُهْطِع » المسرع في مَشْيه ؛ قاله ابنُ جُبَيْر وغيره ، وذلك بِذِلَّة واستكانة ، كإِسراع الأسير ونحوه ، وهذا أرجحُ الأقوال ، وقال ابن عباس وغيره : الإِهطاع شدَّة النظر من غير أنْ يَطْرِفَ ، وقال ابنُ زَيْدٍ : «المُهْطِع » : الذي لا يرفع رأسَهُ ، قال أبو عُبَيْدة : قد يكون : الإِهْطَاعُ للوجْهَيْنِ جميعاً : الإِسراع ، وإِدَامَةُ النَّظَر ، و«المُقْنِعُ » : هو الذي يَرْفَعُ رأْسَه قدُماً بوَجْهِهِ نحو الشيْءِ ، ومِنْ ذلك قولُ الشاعر : [ الوافر ]

يُبَاكِرْنَ الْعِضَاهَ بِمُقْنَعَاتٍ *** نَوَاجِذُهُنَّ كَالْحَدَإ الوَقِيعِ

يصفُ الإِبلَ عند رعْيها أَعاليَ الشَّجَر ، وقال الحسن في تفسير هذه الآية : وجوهُ الناسِ يوم القيامَةِ إِلى السماء لا يَنْظُرُ أَحدٌ إِلى أحد ، وذكر المبرِّد فيما حَكَى عنه مكِّيٌّ : أن الإِقناع يوجَدُ في كلامِ العَرب بمعنَى : خَفْضِ الرأسِ من الذِّلَّة .

قال ( ع ) : والأول أشهر .

وقوله سبحانه : { لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } [ إبراهيم : 43 ] .

أي : لا يَطْرِفُونَ من الحَذَرِ والجزعِ وشدَّة الحال .

وقوله : { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ } : تشبيه محضٌ ، وَجِهَةُ التشبيه يحتملُ أنْ تكون في فراغِ الأَفئدة من الخَيْرِ والرَّجاء والطمعِ في الرحمة ، فهي متخرِّقة مُشَبِهَةٌ الهواءَ في تَفرُّغه من الأشياء ، وانخراقه ، ويحتمل أنْ تكون في اضطراب أفئدتهم وجيشانها في صُدُورهم ، وأنها تذهب وتجيءُ وتبلُغُ علَى ما رُوِيَ حناجرهم ، فهي في ذلك كالهَوَاءِ الذي هو أبداً في اضطراب .