الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱلَّذِيٓ ءَاتَيۡنَٰهُ ءَايَٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنۡهَا فَأَتۡبَعَهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ} (175)

قوله سبحانه : { واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ الذي آتيناه آياتنا }[ الأعراف :175 ] .

قال ابن عباس : هو رجُلٌ من الكَنْعَانِيِّينَ الجَبَّارِين ، اسمه بَلْعَمُ بْنُ باعُوراء ، وقيل : بَلْعَامُ بْنُ باعِر ، وقيل : غير هذا ، وكان في جملة الجَبَّارِين الذي غَزَاهُمْ موسى عليه السلام ، فَلَما قَرُبَ منهم موسى ، لجؤوا إِلى بَلْعَام ، وكانَ صالِحاً مستجابَ الدَّعْوة ، وقيل : كان عنْدَهُ علْم مِنْ صُحُف إِبراهيم ونحوها .

وقيل : كان يعلم اسم اللَّه الأَعظمَ ، قاله ابنُ عبَّاس أيضاً ، وهذا الخلافُ هو في المراد بقوله : { آتيناه آياتنا } ، فقال له قومُه : ادع اللَّه على موسى وعَسْكَره ، فقالَ لَهُمْ : وَكَيْفَ أدعو عَلَى نَبِيٍّ مُرْسَلٍ ، فما زالوا به حتى فَتَنُوهُ ، فخَرَجَ حتى أشْرَفَ عَلَى جَبَلٍ يرى منه عَسْكَرَ موسى ، وكان قد قال لِقَوْمِهِ : لا أفعَلُ حتى أستأْمِرَ رَبِّي ، فَفَعَلَ ، فنُهِيَ عن ذلك ، فقال لهم : قد نُهِيتُ ، فما زالوا به حتَّى قال : سأَسْتَأْمِرُ ثانيةً ، ففعل ، فسكَتَ عنه ، فأخبرهم ، فقالوا له : إِن اللَّه لَمْ يَدَعْ نَهْيَكَ إِلا وقدْ أَراد ذلك ، فخَرَجَ ، فلما أشْرَفَ على العَسْكَر ، جَعَلَ يدْعُو على موسَى ، فتحوَّل لسانُهُ بالدعاءِ لموسى ، والدعاءِ على قومه ، فقالوا له : ما تقولُ ؟ فقال : إِني لا أمْلِكُ هذا ، وعَلِمَ أنه قد أخطأ ، فَرُوِيَ أنه قد خرج لِسَانُه على صدره ، فقال لقومه : إِني قَدْ هَلَكْتُ ، ولكِنْ لَمْ يَبْقَ لكم إِلا الحِيلَة ، فأخرجوا النِّسَاء إِلى عَسْكَرِ موسى عَلَى جهة التَّجْرِ وغيره ، ومُرُوهُنَّ أَلا تَمْتَنِع امرأة مِنْ رجل ، فإِنهم إِذا زَنَوْا هلَكُوا ، ففعلُوا ، فخرج النِّسَاء ، فزنى بهِنَّ رجالٌ [ مَنْ ] بني إِسرائيل ، وجاء فِنْحَاصُ بْنُ العِيزَارِ بْنِ هَارُونَ ، فانتظم بُرمْحه امرأة ورجُلاً من بني إِسرائيل ، ورفعهما على أعلى الرَمْحِ ، فوقع في بني إِسرائيل الطاعونُ ، فمات منهم في ساعةٍ [ واحدةٍ ] سبْعُونَ ألْفاً .

ثم ذَكَرَ المعتمِرُ عن أبيه : أنَّ موسى عليه السلام قَتَلَ بعد ذلك الرَّجُلَ المُنْسَلِخَ مِنْ آيات اللَّه .

قال المَهْدَوِيُّ : رُوِيَ أنه دعا على مُوَسَى أَلاَّ يَدْخُلَ مدينةَ الجَبَّارين ، فأجيب ، ودعا عليه موسى أَنْ ينسى اسم اللَّهِ الأعْظَمَ ، فأجيبَ ، وفي هذه القصَّة رواياتٌ كثيرةً تحتاجُ إِلى صحَّة إِسناد ، و{ فانسلخ } : عبارةٌ عن البراءةِ منها ، والانفصال والْبُعْدِ ، كالمُنْسَلِخ من الثياب والجِلْد ، و{ فأَتْبَعَهُ الشيطانُ } ، أيْ : صيَّره تابِعاً ، كذا قال الطبريُّ : إَما لضلالةٍ رَسَمَها له ، وإِما لنفسه ، و{ مِنَ الغاوين } ، أي : { مِنَ الضالين } .