فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{لَهُۥ دَعۡوَةُ ٱلۡحَقِّۚ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسۡتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيۡءٍ إِلَّا كَبَٰسِطِ كَفَّيۡهِ إِلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَٰلِغِهِۦۚ وَمَا دُعَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ} (14)

{ دَعْوَةُ الحق } فيه وجهان أحدهما : أن تضاف الدعوة إلى الحق الذي هو نقيض الباطل ، كما تضاف الكلمة إليه في قولك : كلمة الحق ، للدلالة على أن الدعوة ملابسة للحق مختصة به ، وأنها بمعزل من الباطل . والمعنى أن الله سبحانه يدعى فيستجيب الدعوة ، ويعطي الداعي سؤاله إن كان مصلحة له ، فكانت دعوة ملابسة للحق ، لكونه حقيقاً بأن يوجه إليه الدعاء ، لما في دعوته من الجدوى والنفع ، بخلاف ما لا ينفع ولا يجدي دعاؤه . والثاني : أن تضاف إلى الحق الذي هو الله عز وعلا ، على معنى : دعوة المدعوّ الحق الذي يسمع فيجيب . وعن الحسن : الحق هو الله ، وكلّ دعاء إليه دعوة الحق . فإن قلت : ما وجه اتصال هذين الوصفين بما قبله ؟ قلت أما على قصة أربد فظاهر ؛ لأن إصابته بالصاعقة محال من الله ومكرٌ به من حيث لم يشعر . وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وعلى صاحبه بقوله : ( اللهمّ اخسفهما بما شئت ) ، فأجيب فيهما ، فكانت الدعوة دعوة حق . وأما على الأوّل فوعيد للكفرة على مجادلتهم رسول الله بحلول محاله بهم ، وإجابة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دعا عليهم فيهم . { والذين يَدْعُونَ } والآلهة الذين يدعوهم الكفار { مِنْ } دون الله { لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَىْء } من طلباتهم { إِلاَّ كباسط كَفَّيْهِ } إلا استجابة كاستجابة باسط كفيه ، أي كاستجابة الماء من بسط كفيه إليه يطلب منه أن يبلغ فاه ، والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه وحاجته إليه ، ولا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فاه ، وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم ولا يقدر على نفعهم . وقيل : شبهوا في قلة جدوى دعائهم لآلهتهم بمن أراد أن يغرف الماء بيديه ليشربه ، فبسطهما ناشراً أصابعه ، فلم تلق كفاه منه شيئاً ولم يبلغ طلبته من شربه . وقرئ : «تدعون » بالتاء . كباسط كفيه ، بالتنوين . { إِلاَّ فِى ضلال } إلا في ضياع لا منفعة فيه ؛ لأنهم إن دعوا الله لم يجبهم ، وإن دعوا الآلهة لم تستطع إجابتهم .