جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{لَهُۥ دَعۡوَةُ ٱلۡحَقِّۚ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسۡتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيۡءٍ إِلَّا كَبَٰسِطِ كَفَّيۡهِ إِلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَٰلِغِهِۦۚ وَمَا دُعَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ} (14)

{ لَهُ } : الله ، { دَعْوَةُ{[2498]} الْحَقِّ } : دعوة الحق التوحيد ، وقيل : معناه العبادة والدعاء الحق لا الباطل ، كان له لا لغيره ، { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ } : الأصنام ، { مِن دُونِه } : من دون الله تعالى ، أو المراد من الذين الأصنام ، أي : الأصنام الذين يدعونهم من دون الله ، { لاَ يَسْتَجِيبُونَ } أي : الأصنام ، { لَهُم } : لعبادهم ، { بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ } : إلا استجابة كاستجابة من بسط ، { كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ } : يطلب منه أن يبلغ ، { فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ } : لأن الماء جماد لا يشعر بدعائه ولا يقدر أن يصل إلى فيه كالأصنام وعن بعض السلف كمثل الذي يناول الماء من كرف البئر بيده وهو لا يناله أبدا ، يبلغ فاه ؟ ! وعن بعض معناه مثلهم كمثل من بسط كفيه ناشرا أصابعه والماء لا يبقى في الكف إذا نشرت الأصابع ، { وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } : في ضياع{[2499]} لا منفعة فيه أو دعاؤهم ربهم إلا في ضلال ؛ لأن لأصواتهم محجوبة عن الله تعالى .


[2498]:اعلم أن نوع من أنواع العبادات المطلوبة من العباد ولو لم يكن في الكتاب العزيز إلا مجرد طلبه منهم لكان ذلك مفيدا للمطلوب قال الله تعالى: "ادعو ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين و لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين" (الأعراف: 55،56)، وقال سبحانه: "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى" (الإسراء: 110)، فهذه البينات دلت على أن الدعاء مطلوب لله عز وجل من عباده وهذا القدر يكفي في إثبات كونه عبادة فكيف إذا انضم إلى ذلك النهي من دعاء غير الله تعالى قال سبحانه: "فلا تدعوا مع الله أحدا} (الجن: 18)، وقال تعالى: "له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء" وقال سبحانه ناعيا على من يدعو غيره ضاربا الأمثال "إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم" (الأعراف: 194)، وقال تعالى: "قل ادعوا الذين زعمتم من دون لله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض" (سبأ: 22)، فكيف إذا صرح القرآن الكريم بأن الدعاء عبادة تصريحا لا يبقى عنده ريب لمرتاب قال الله سبحانه: "ادعوني استجب لكم إن الذي يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" (غافر:60)، و مع هذا كله فقد جاءت السنة المطهرة بما يدل أبلغ دلالة على الدعاء من أكمل أنواع العبادة فأخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه وابن أبي شيبة والحاكم من حديث النعمان بن بشير قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إن الدعاء هو العبادة" [صحيح، وانظر صحيح الجامع (3407)، وقي رواية مخ العبادة"، ثم قرأ رسول الله ـ صلى عليه وسلم ـ الآية المذكورة [ضعيف، وانظر ضعيف الجامع (3003)]، فهذه القضية الشريفة قد اشتملت على تعريف المسند إليه و تعريف المسند وعلى ضمير الفصل، وقد صرح أهل المعاني والبيان والأصول بأن كل و احد من هذه الثلاثة آلة من آلات الحصن وإن وجد أحدها يقتضيه، فكيف إذا اجتمعت جميعا وانضم إليها حرف التأكيد/12 قاضي محمد بن علي الشوكاني في بعض رسائله/12.
[2499]:في الوجيز نقله عن ابن عباس /12.