لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{لَهُۥ دَعۡوَةُ ٱلۡحَقِّۚ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسۡتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيۡءٍ إِلَّا كَبَٰسِطِ كَفَّيۡهِ إِلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَٰلِغِهِۦۚ وَمَا دُعَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ} (14)

قوله تعالى : { له دعوة الحق } يعني لله دعوة الصدق ، قال على دعوة الحق التوحيد ، وقال ابن عباس : شهادة أن لا إله إلا الله . قال صاحب الكشاف دعوة الحق فيها وجهان أحدهما أن تضاف الدعوة إلى الحق الذي هو نقيض الباطل كما تضاف الكلمة إليه في قولك كلمة الحق . للدلالة على أن الدعوة ملابسة للحق مختصة به ، وأنها بمعزل من الباطل ؛ والمعنى أن الله تعالى يدعى فيستجيب الدعوة ويعطي الداعي سؤله إن كان مصلحة له فكانت دعوة ملابسة للحق لكونه حقيقاً بأن يوجه إليه الدعاء لما في دعوته من الجدوى والنفع بخلاف ما لا نفع فيه ولا جدوى فيرد دعاءه . الثاني أن تضاف إلى الحق الذي هو الله على معنى دعوة المدعو الحق الذي يسمع فيجيب ، وعن الحسن : الله هو الحق وكل دعاء إليه دعوة الحق . فإن قلت : ما وجه اتصال هذين الوصفين بما قبلهما . قلت : أما على قصة أربد فظاهر لأن إصابته بالصاعقة كانت بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه دعا عليه وعلى صاحبه عامر بن الطفيل فأجيب فيهما فكانت الدعوة دعوة حق ، وأما على قوله وهم يجادلون في الله فوعيد للكفار على مجادلتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإجابة دعائه إن دعا عليهم . وقيل في معنى الآية : الدعاء بالإخلاص ، والدعاء الخالص لا يكون إلا لله تعالى { والذين يدعون من دونه } يعني والذين يدعونهم آلهة من دون الله ، وهي الأصنام التي يعبدونها { لا يستجيبون لهم بشيء } يعني لا يجيبونهم بشيء يريدونه من نفع أو دفع ضرر إن دعوهم { إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه } يعني إلا استجابة كاستجابة الماء لمن بسط كفيه إليه ، يطلب منه أن يبلغ فاه والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ، ولا بعطشه ولا يقدر أن يجيب دعاءه أو يبلغ فاه ، وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم ، ولا يقدر على نفعهم . وقيل : شبههم في قلة جدوى دعائهم لآلهتهم بمن أراد أن يغرف الماء بيديه ليشربه فيبسطهما ناشراً أصابعه فلم تلق كفاه منه شيئاً ، ولم يبلغ طلبته من شربه وقيل إن القابض على الماء ناشراً أصابعه لا يكون في يده منه شيء ، ولا يبلغ إلى فيه منه شيء كذلك الذي يدعو الأصنام لأنها لا تضر ولا تنفع ولا يفيده منها شيء . وقيل شبه : بالرجل العطشان الذي يرى الماء من بعيد بعينيه ، فهو يشير بكفيه إلى الماء ويدعوه بلسانه فلا يأتيه أبداً هذا معنى قول مجاهد ، وعن عطاء كالعطشان الجالس على شفير البئر وهو يمد يديه إلى البئر فلا هو يبلغ إلى قعر البئر ليخرج الماء ، ولا الماء يرتفع إليه فلا ينفعه بسطه الكف إلى الماء ودعاؤه له ، ولا هو يبلغ فاه كذلك الذي يدعون الأصنام لا ينفعهم ذلك .

وقال ابن عباس : كالعطشان إذا بسط كفيه في الماء لا ينفعه ذلك ما لم يغرف بهما من الماء ولا يبلغ الماء فاه ما دام باسط كفيه ، وهذا مثل ضربه الله تعالى للكفار ودعائهم الأصنام حين لا ينفعهم البتة ثم ختم هذه بقوله { وما دعاء الكافرين } يعني أصنامهم { إلا في ضلال } يعني يضل عنهم إذا احتاجوا إليه ، قال ابن عباس في هذه الآية أصواتهم محجوبة عن الله تعالى .