محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{لَهُۥ دَعۡوَةُ ٱلۡحَقِّۚ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسۡتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيۡءٍ إِلَّا كَبَٰسِطِ كَفَّيۡهِ إِلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَٰلِغِهِۦۚ وَمَا دُعَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ} (14)

وقوله تعالى :

/ [ 14 ] { له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال 14 } .

{ له دعوة الحق } أي : الدعاء الحق بالعبادة والتضرع والإنابة ، وتوجيه الوجه ثابت له تعالى لا لغيره . لأنه الذي يجيب المضطر ويكشف السوء فهو الحقيق بأن يعبد وحده بالدعاء والالتجاء . فإضافة الدعوة للحق من إضافة الموصوف للصفة . وفيها إيذان بملابستها للحق ، واختصاصها به ، وكونها بمعزل من شائبة البطلان والضياع والضلال . كما يقال : كلمة الحق .

ثم بين تعالى مثال من يعبد من الأصنام ويدعى ، في عدم النفع والجدوى بقوله : { والذين يدعون من دونه } أي : الأصنام الذين يدعوهم المشركون من دونه تعالى { لا يستجيبون لهم بشيء } أي : من مطلوباتهم { إلا كباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه } أي : إلا استجابة كاستجابة باسط كفيه أي كاستجابة الماء لمن مد يديه إليه يطلب منه أن يبلغ فاه ، والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بظمأه وحاجته إليه فلا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فاه . وكذلك ما يدعونه ، جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم ولا يقدر على نفعهم ! والغرض نفي الاستجابة على القطع بتصوير أنهم أحوج ما يكونون إليها لتحصيل مباغيهم ، أخيب ما يكون أحد في سعيه لما هو مضطر إليه فضلا عن مجرد الحاجة . وحاصله : لأنه شبه آلهتهم حين استكفائهم إياهم ما أهمهم بلسان الاضطرار في عدم الشعور فضلا عن الاستطاعة للاستجابة ، وبقائهم لذلك في الخسران بحال ماء بمرأى عطشان باسط كفيه إليه يناديه عبارة وإشارة ، فهو لذلك في زيادة ظمأ وشدة خسران ! والتشبيه على هذا من المركب التمثيلي في الأصل ، أبرز في معرض التهكم حيث أثبت / للماء استجابة ، زيادة في التخسير والتحسير . فالاستثناء مفرغ من أعم عام المصدر ، أي : لا يستجيبون شيئا من الاستجابة ، والضمير في ( هو ) للماء و ( بالغه ) للفم ، وقيل : الأول للباسط والثاني للماء . وبسط الكف : نشر الأصابع ممدودة كما في قوله {[5074]} :

تعود بسط الكفّ حتى لو أنه***أراد انقباضا لم تطعه أنامله

{ وما دعاء الكافرين } أي : عبادتهم والتجاؤهم لآلهتهم { إلا في ضلال } أي : في ضياع لا منفعة فيه لعدم إمكان إجابتهم .


[5074]:رواية البيت هكذا : ............................................. ثناها لقبض لم تطعه أنامله انظر ديوان أبي تمام ص 232 (طبعة بيروت) و ص 29 من الجزء الثالث بشرح الخطيب التبريزي (طبعة المعارف). والبيت من قصيدته التي مطلعها : أجل أيها الربع الذي خف آهله لقد أدركت فيك النوى ما تحاوله يمدح بها أمير المؤمنين المعتصم بالله.