فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ} (186)

{ فليستجيبوا } فليطلبوا إجابتي أو فليجيبوا إلي إذا دعوتهم للإيمان . { يرشدون } يهتدون لما يصلحهم .

{ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } روى الشيخان وغيرهما عن أبي موسى الأشعري قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فجعلنا لا نصعد شرفا ولا نهبط واديا إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير قال فدنا منا فقال ( يا أيها الناس اربعوا {[595]} على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا بصيرا إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته يا عبد الله بن قيس ألا أعلمك كلمة من كنوز الجنة لا حول ولا قوة إلا بالله ) وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل ) قيل يا رسول الله وما الاستعجال قال ( يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء ) ؛ وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة بل وعند كل فطر كما روي عن عبد الله بن عمر وهو يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم { إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد }{[596]} مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن : قوله تعالى { فإني قريب } أي بالإجابة وقيل بالعلم وقيل قريب من أوليائي بالإفضال والإنعام . . فإن قيل فما للداعي{[597]} قد يدعو فلا يجاب ؟ فالجواب أن يعلم أن قوله الحق في الآيتين { أجيب } و . . { أستجب } لا يقتضي الاستجابة مطلقا . . وقال بعض العلماء أجيب إن شئت كما قال { . . . فيكشف ما تدعون إليه إن شاء . . }{[598]} فيكون هذا من باب المطلق والمقيد { لعلهم يرشدون } قال الهروي الرشد الهدى والاستقامة .


[595]:اربعوا على أنفسكم: ربما يكون المعنى ارفقوا واقتصروا أو نفسوا وكفوا وتحبسوا.
[596]:ما بين العارضتين من تفسير القرآن العظيم.
[597]:مما أورد النيسابوري صاحب تفسير غرائب القرآن في معنى الآية الكريمة عن قتادة أن الصحابة قالوا يا نبي الله كيف ندعو ربنا فنزلت قال العلماء ليس بالقرب ههنا بالمكان.. وأيضا هذه الآية من أقوى الدلائل على أن القرب ليس بالجهة لأنه لو كان في المكان لما كان قريبا من الكل بل لو كان قريبا من حملة العرش يكون بعيدا عن غيرهم ولو كان قريبا من المشرق كان بعيدا عن المغرب قالوا فثبت أن المراد بالقرب قربه بالتدبير والحفظ والكلاءة.. واعلم ان الدعاء مصدر دعوت ادعوا وقد يكون اسما كما تقول سمعت صوتا وحقيقة الدعاء استدعاء العبد ربه جل جلاله العناية والاستمداد والمعونة قال جمهور العقلاء إن الدعاء من أعظم مقامات العبودية وإنه من شعار الصالحين ودأب الأنبياء والمرسلين والقرآن ناطق بصحته عن الصديقين والأحاديث مشحونة بالأدعية المأثورة والحاصل أن الأسباب والوسائط والروابط معتبرة في جميع أمور هذا العالم ومن جملة الوسائط في قضاء الأوطار الدعاء والالتماس.. ولم يكن شيء من ذلك خارجا عن قانون القضاء السابق وناسخا للكتاب المسطور ومن فوائد الدعاء شعار الذل والانكسار والإقرار بسمة العجز والانكسار وتصحيح نسبة العبودية وأما وقت الدعاء ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حيث يبقى ثلث الليل الأخير فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له} وعن أبي أمامة قال يا رسول الله أي الدعاء أسمع قال {جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات}... ومن لطائف الآية أنه قال تعالى {فإني قريب} دون أن يقول: فقال إني قريب كما قال في سائر الأسئلة والأجوبة،... {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي}... {يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله..} وهذه الأسئلة أصولية {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين..}... {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول}...{فليستجيبوا لي} أجاب واستجاب بمعنى أي فليمتثلوا أمري إذا دعوتهم إلى الإيمان والطاعة {وليؤمنوا بي}وليستقيموا وليعزموا على الاستجابة وليؤمنوا كما أني أجيبهم إذا دعوني لحوائجهم إشارة أن يكونوا من الراشدين المهتدين إلى مصالح دينهم ودنياهم فإن طاعة الله تعالى هي المستتبعة للخيرات عاجلا وآجلا {من عمل صالحا من ذكر وأنثى وهو مؤمن فلنحييه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} وقيل الدعاء في الآية هو العبادة لما روي عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {الدعاء هو العبادة وقرأ(ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)} وعلى هذه فالإجابة عبارة عن الوفاء بما ضمن للمطيعين من الثواب كقوله تعالى {ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله..}
[598]:سورة الأنعام من الآية 41.