فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡ وَأَخۡرِجُوهُم مِّنۡ حَيۡثُ أَخۡرَجُوكُمۡۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلۡقَتۡلِۚ وَلَا تُقَٰتِلُوهُمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِيهِۖ فَإِن قَٰتَلُوكُمۡ فَٱقۡتُلُوهُمۡۗ كَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (191)

{ الفتنة } الاختبار . أو العذاب أو الكفر { ثقفتموهم } صادفتموهم .

{ واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل } في هذه الآية الكريمة زيادة في التكليف على ما في سابقتها فكان في الأولى الأمر بالجهاد معهم حيثما صادفناهم ووجدناهم وأدركناهم وأمر بإخراج أعداء الإسلام من مكة حيث أخرجوا أهل الإيمان السابقين الأولين منها والفتنة في الدين أشد من قتل من فعلوها أو أشق على نفوس المعروضين على الفتنة من أن يقتلوا فيستريحوا وابتلاء المؤمن في دينه حتى يرجع عنه فيصير مشركا بالله من بعد إسلامه أشد عليه وأضر من أن يقتل مقيما على دينه . . -{[614]} مما قال مجاهد فالقتل أخف عليه من الفتنة وقال غيره شركهم بالله وكفرهم به أعظم جرما وأشد من القتل الذي عيروكم به وهذا دليل على أن الآية في شأن عمرو بن الحضرمي حين قتله بن واقد بن عبد الله التميمي في آخر يوم من رجب الشهر الحرام ؛ وسيأتي مزيد تفصيل لما حدث في سرية عبد الله بن جحش حين نعرض إن شاء الله لتفسير قول ربنا الحكيم { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه . . } الآية 217 . من سورة البقرة .

{ ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين } روى البخاري ومسلم{[615]} في صحيحهما عن أبي شريح العدوي رضي الله عنه حديثا ومنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما ولا يعضد فيها شجرة فإن أحدا ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا له إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ليبلغ الشاهد الغائب ) ومن رواية ابن عباس فيهما ( إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة . . ) وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يحل لأحدكم أن يحمل السلاح بمكة ){[616]} قال مجاهد الآية محكمة ولا يجوز قتال أحد في المسجد الحرام إلا بعد أن يقاتل وقال قتادة الآية منسوخة {[617]} بقوله تعالى { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم . . }{[618]} .

لكن إن قاتلنا عدو عند المسجد الحرام وجب قتاله ؛ مما يقول بن خويز منداد : الإجماع قد تقرر بأن عدوا لو استولى على مكة وقال : لا أبرح من مكة لوجب قتاله وإن لم يبدأ بقتال ، فمكة وغيرها من البلاد سواء .


[614]:ما بين العارضتين من الجامع البيان.
[615]:كما رواه الترمذي والنسائي.
[616]:أخرجه في الحج باب النهي عن حمل السلاح بمكة بلا حاجة.
[617]:وجمهور من العلماء أن هذه الآية عامة في الأماكن أما آية سورة البقرة فخاصة ومن المسلم به عند الأصوليين أن العام لا ينسخ الخاص.
[618]:من سورة التوبة براءة من الآية 5.