فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَٱلۡمُطَلَّقَٰتُ يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَٰثَةَ قُرُوٓءٖۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكۡتُمۡنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيٓ أَرۡحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤۡمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنۡ أَرَادُوٓاْ إِصۡلَٰحٗاۚ وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيۡهِنَّ دَرَجَةٞۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (228)

{ قروء } واحدها قرء وهو الطهر أو الحيض . { يتربصن } ينتظرن .

{ بعولتهن } أزواجهن . { درجة } فضيلة ومنزلة .

{ والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } هذا هو الحكم الثامن سبقته أحكام سبعة في ثمان آيات متتابعات تشرع للبيت المسلم : النفقة ومن يتزوج ومتى تعزل الزوجة وماذا يحل منها للزوج وأخيرا : الحلف والإيلاء قضى الله الحكيم أن تنتظر من طلقت دون زواج حتى تتم لها ثلاثة أطهار أو ثلاث حيض – على خلاف في ذلك بأن تمكث إحداهن بعد طلاق زوجها لها ثلاثة قروء تتزوج إن شاءت وهذا في ذوات الأقراء من الحرائر المدخول بهن إذ لا عدة على غير المدخول بها وأن عدة من لا تحيض لصغر أو كبر أو حمل بالأشهر ووضع الحمل ، وعدة الأمة قرآن أو شهران لأنها على النصف من الحرة والقرء ولا يتبعض ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما : عدة الأمة حيضتان { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر } لم يؤذن الله تعالى لمطلقة أن تكتم ما يحدثه الله تعالى في رحمها من حيض أو حمل ما دامت تؤمن بما يجب الإيمان به من جوانب اليقين بالله وملائكته وكتبه ورسله والآخرة ؛ عن مجاهد : لا يحل للمطلقة أن تقول إني حائض وليست بحائض ولا تقول إني حبلى وليست بحبلى ولا تقول لست حبلى وهي حبلى ، فإن ذلك ليس من فعل من يؤمن بالله واليوم الآخر ولا من أخلاقه ، بل من أخلاق النساء الكوافر فلا تتخلقن أيتها المؤمنات بأخلاقهن-{[702]} ؛ { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا } وأزواج المطلقات أولى{[703]} بمراجعتهن خلال عدتهن إذا أراد المصالحة والرجعة . { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } في صحيح مسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع ( فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهم أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) . وقال ابن عباس : إني لأحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي – كأنه قيل ولهن عليهم مثل الذي لهم عليهن والمراد بالمماثلة -المماثلة في الوجوب- لا في جنس الفعل- فلا يجب عليه إذا غسلت ثيابه أو خبزت له أن يفعل لها مثل ذلك ولكن يقابله بما يليق بالرجال ، أخرج الترمذي وصححه عن عمرو بن الأحوص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم من تكرهون إلا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن } . . . وجعلوا مما يجب لهن عدم العجلة إذا جامع حتى تقضي حاجتها . . { وللرجال عليهن درجة } زيادة في الحق لأن حقوقهم في أنفسهن . . . أو شرف فضيلة لأنهم قوام عليهن وحراس لهن يشاركوهن في غرض الزواج من التلذذ وانتظام مصالح المعاش ويخصونه بشرف يحصل لهم لأجل الرعاية والإنفاق عليهن . . وقال الراغب الدرجة نحو المنزلة . . ويعبر بها عن المنزلة الرفيعة ومنه الآية فهي على التوجيهين مجاز . . ؛ { والله عزيز } غالب لا يعجزه الانتقام ممن خالف الأحكام { حكيم } عالم بعواقب الأمور والمصالح التي شرع ما شرع لها-{[704]} .


[702]:من جامع البيان.
[703]:مما أورد النيسابوري: فإن قيل كيف جعلوه أحق بالرجعة كأن للنساء حقا فيها فالجواب أن الرجل إن أراد الرجعة وأبتها المرأة وجب إيثار قوله على قولها فهذا هو المعنى بالأحقية. 1هـ.
[704]:ما بين العارضتين من روح المعاني.