الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَٱلۡمُطَلَّقَٰتُ يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَٰثَةَ قُرُوٓءٖۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكۡتُمۡنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيٓ أَرۡحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤۡمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنۡ أَرَادُوٓاْ إِصۡلَٰحٗاۚ وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيۡهِنَّ دَرَجَةٞۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (228)

قوله : ( وَالمُطَلَّقَاتُ( {[7396]} ) يَتَرَبَّصْنَ بِأنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ )[ 226 ] .

ومعناه( {[7397]} ) : المطلقات المدخول بهن ذوات الحيض – غير الحوامل- يتربصن عن( {[7398]} ) التزويج ثلاثة أطهار ، وقيل : ثلاثة حيض( {[7399]} ) .

والقرء في اللغة : الوقت ، فيصلح للطهر ، ويصلح للحيض( {[7400]} ) . والحيض عند أبي حنيفة وغيره أولى به( {[7401]} ) . وهو قول أحد عشر من الصحابة وجماعة من التابعين والفقهاء( {[7402]} ) .

وهو عند مالك الطهر ، وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين( {[7403]} ) . فإذا طلقها وهي طاهر في طهر لم يمسها( {[7404]} ) فيه فهو قرء تعتد به ، وإن لم يبق( {[7405]} ) منه إلا أقله . فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة حلت للأزواج ، وهو قول عائشة . وابن عمر وزيد بن( {[7406]} ) ثابت( {[7407]} ) والقاسم وسالم وسليمان بن( {[7408]} ) يسار( {[7409]} )/ .

وبه قال الشافعي( {[7410]} ) وغيره من الفقهاء( {[7411]} ) . ويدل على أن المراد/بالأقراء في هذه الآية الأطهار قوله تعالى : ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ )( {[7412]} ) ، فلهن أن يعتدن بما يطلقن فيه وهو الطهر الذي لم تمس فيه( {[7413]} ) .

والطلاق في الحيض عند أهل العلم مكروه ، فدل ذلك على أن الطلاق إنما يكون في الطهر لا في الحيض( {[7414]} ) : [ وهو قول النبي عليه السلام( {[7415]} ) ] : " فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِراً مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ " ( {[7416]} ) . فإذا طلقت/في الطهر اعتدت به قرءاً .

ودخول الهاء في ثلاثة يدل على أنه الأطهار ، لأن الطهر مذكر والحيض مؤنث ، فلو أريد به الحيض لم تدخله الهاء( {[7417]} ) .

قال ابن عباس : " استثنى الله من هذه الآية اللواتي لم يدخل بهن والحوامل " ( {[7418]} ) .

وقال قتادة : " هو نسخ " ( {[7419]} ) .

وقال غيرهما : " هو تبيين ، لأن هذه الآية يراد( {[7420]} ) بها الخصوص فبين المراد في " الأحزاب " ( {[7421]} ) وسورة الطلاق( {[7422]} ) ، فهي مبينة( {[7423]} ) لا منسوخة( {[7424]} ) .

قوله : ( وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَّكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ )[ 227 ] .

/أكثر أهل التفسير على أن الذي نهين( {[7425]} ) عنه أن يكتمن هو الحيض والولد وذلك أن تقول : " إني قد حضت( {[7426]} ) الثلاثة ، وهي لم تحض لتذهب ما يجب لزوجها من الرجعة ، أو تكتم الولد ليذهب حقه من الرجعة حتى تلد وهو لا يعلم ، فلا يكون له في الرجعة بعد الولادة حق( {[7427]} ) .

وقيل : هو( {[7428]} ) الحمل خاصة( {[7429]} ) ؛ وذلك أنهن كن في الجاهلية يكتمن الولد خوفاً ألا يراجعهن أزواجهن ، فيتزوجن وهن( {[7430]} ) حوامل ، فيلحقن( {[7431]} ) الولد بالزوج الثاني ، فحرم ذلك عليهن . قال ذلك قتادة وغيره( {[7432]} ) .

وقال السدي : " كان الرجل في الجاهلية إذا أراد الطلاق سأل( {[7433]} ) امرأته هل بها حمل خوف أن يطلقها وهي حامل ، فتلحق ولده غيره ، فإن كانت تكرهه كتمت حملها ليطلقها ، فتلحق الولد غيره ، فحرم ذلك( {[7434]} ) .

وهذا القول يدفعه قوله : ( وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ ) بعد ذكر الطلاق ووقوعه ، فإنما ظاهر القرآن يدل على النهي أن يكتمن ذلك في العدة ليذهب حق الرجل من الرجعة ؛ إما أن تقول : " قد حضت " ( {[7435]} ) ، ولم تحض ، وإما أن تقول " لست بحامل " ، وهي حامل ، فَتَجْحَدَ حتى تضع فتذهب رجعته . وهذه الآية تدل على أن المرأة مؤتمنة على عدتها وحملها( {[7436]} ) .

ومعنى : ( إِن كُنَّ يُومِنَّ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ) [ 226 ] .

أي : يحجزهن إيمانهن عن( {[7437]} ) فعل ذلك ، وليس ذلك يجوز أن يفعله من لا يؤمن .

قوله : ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ/بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ ) [ 226 ] .

أي : أزواج المطلقات أحق بردهن في العدة إن أرادوا بالرد الإصلاح . فإن أراد المضارة ، فلا يحل له ذلك .

قوله : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ ) [ 226 ] .

أي للزوجات على الأزواج من الإحسان والصحبة الجميلة مثل ما للأزواج على الزوجات .

وقيل : معناه : يتزين الرجل للمرأة كما تتزين له . روي ذلك عن ابن عباس( {[7438]} ) .

قوله : ( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) [ 226 ] .

أي في الميراث والجهاد والشهادة ونحو ذلك ، وأن فراقهن( {[7439]} ) بيد الأزواج .

وقال الشعبي : " الدرجة هو ما ساق إليها من الصداق ، وأنها إذا قذفته حُدَّتْ ، وإذا قذفها لم يُحد ، وَلاَ عَنَ( {[7440]} ) " .

وعن ابن عباس( {[7441]} ) : " ( دَرَجَةٌ )( {[7442]} ) : أداء/حقها إليها ومؤنتها وتركه( {[7443]} ) الواجب له عليها إحساناً " ( {[7444]} ) .

وقيل : " الدرجة هو ما زين الله به الرجل من اللحية " ( {[7445]} ) . رواه عبيد بن الصباح( {[7446]} ) عن حميد .

وقال ابن إسحاق : " المرأة( {[7447]} ) تنال من اللذة مثل ما ينال الرجل ، وله الفضل بنفقته وقيامه ، وما ساق من الصداق فهي الدرجة( {[7448]} ) " .


[7396]:- في ع2: المطلاقة. وهو خطأ.
[7397]:- سقط حرف الواو من ع2، ع3.
[7398]:- في ع2، ع3: على. وهو تحريف.
[7399]:- في ع3: قروء. وانظر هذا التوجيه في تفسير الغريب 86.
[7400]:- انظر: مجاز القرآن 1/74، ومفردات الراغب 413، وأحكام ابن العربي 1/184، واللسان 3/43.
[7401]:- في ع3: بها.
[7402]:- انظر: أحكام الجصاص 1/364، والمحرر الوجيز 2/194-195.
[7403]:- انظر: الموطأ 2/577، وتفسير القرطبي 3/113.
[7404]:- في ع3: يسمها. وهو تحريف.
[7405]:- في ع3: ينو. وهو تحريف.
[7406]:- في ق: ابن.
[7407]:- هو زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد، الأنصاري، صحابي مشهور كاتب الوحي، عرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه خارجة بن زيد وخَلْق (ت45هـ) وقيل 48.
[7408]:- في ق: ابن.
[7409]:- في ع3: يسر. وهو تحريف. انظر طبقات ابن خياط 39-90، وتذكرة الحفاظ 30، وتقريب التهذيب 1/272، والإصابة 1/560 (ط.بيروت) والخلاصة 1/350.
[7410]:- انظر: مسنده: 193، وأحكامه 1/243.
[7411]:- انظر: هذه الأقوال في الموطأ2/578، وتفسير القرطبي 3/116، وتفسير ابن كثير 1/270.
[7412]:- الطلاق آية 1.
[7413]:- انظر: هذا الاستدلال في تفسير القرطبي 3/115.
[7414]:- انظر: هذا التوجيه في تفسير القرطبي 3/132.
[7415]:- في ع1، ع2، قول النبي صلى الله عليه وسلم.
[7416]:- انظر: صحيح مسلم 2/1094، وسنن ابن ماجه 1/251، وسنن الترمذي 3/479، وسنن النسائي 6/138.
[7417]:- وبهذا استدل ابن العربي في أحكامه 1/185.
[7418]:- انظر: نواسخ القرآن 86.
[7419]:- انظر كتابه: الناسخ 34-35، والإيضاح لناسخ القرآن 148، ونواسخ القرآن 86.
[7420]:- في ع3: به.
[7421]:- وهو قوله تعالى: (يَأَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ المُومِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً)[49]. فبين الله سبحانه أنه ليس للمطلقة التي طلقت ولم يدخل بها زوجها عدة. إن شاءت تزوجت من يومها.
[7422]:- وهو قوله تعالى: (وَاللاَّء يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِنْ نِّسَائِكُمُ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّءِ لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاَتُ الاَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) [4]. فاستثنى الله عز وجل العجوز التي قعدت من الحيض، والبكر التي لم تبلغ الحيض، فعدتها ثلاثة أشهر، وليس الحيض قياساً في العدة. ثم استثنى الله سبحانه الحامل فليس لها أن تتربص ثلاثة قروء، إنما عدتها وأجلها أن تضع حملها.
[7423]:- في ق: مبنية. وهو تصحيف.
[7424]:- انظر: الإيضاح لناسخ القرآن 148، ونواسخ القرآن 87، وتفسير القرطبي 3/112.
[7425]:- في ق: نهي.
[7426]:- في ع3: حاضت. وهو خطأ.
[7427]:- انظر: جامع البيان 4/517.
[7428]:- سقط من ق.
[7429]:- انظر: تفسير الغريب 87، وأحكام ابن العربي 1/186، وتفسير القرطبي 3/118.
[7430]:- في ق: هو.
[7431]:- في ع2: فيحلقن، وفي ع3: فيحلق.
[7432]:- انظر: الدر المنثور 1/659.
[7433]:- في ع3: وسأل.
[7434]:- انظر: جامع البيان 4/523.
[7435]:- في ع3: حاضت. وهو خطأ.
[7436]:- وبهذا الاستدلال قال القرطبي، انظر تفسيره 3/118.
[7437]:- في ع2: من.
[7438]:- انظر: جامع البيان 4/532، والمحرر الوجيز 2/197، وتفسير القرطبي 3/123.
[7439]:- في ق: فارقهن. وهو تحريف.
[7440]:- انظر: المحرر الوجيز 2/197، وتفسير القرطبي 3/125.
[7441]:- سقط من ق.
[7442]:- في ح: درجة هو.
[7443]:- في ق: تركها.
[7444]:- أورد الطبري نحوه في جامع البيان 4/535.
[7445]:- انظر: جامع البيان 4/535، والمحرر الوجيز 2/197، وتفسير القرطبي 3/125.
[7446]:- في ع1: الصياح. وهو تصحيف. وعبيد بن الصباح الخراز، روى عن فضيل بن مرزق، وروى عن أحمد بن يحيى الصوفي. قال أبو حاتم: ضعيف الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات..انظر لسان الميزان 4/119.
[7447]:- في ع2: امرأة.
[7448]:- انظر: المحرر الوجيز 2/197.