اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلۡمُطَلَّقَٰتُ يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَٰثَةَ قُرُوٓءٖۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكۡتُمۡنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيٓ أَرۡحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤۡمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنۡ أَرَادُوٓاْ إِصۡلَٰحٗاۚ وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيۡهِنَّ دَرَجَةٞۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (228)

لما ذكر - عزَّ وجلَّ - الإيلاء ، وأن الطّلاق قد يقعُ بيَّن تعالى حُكم المرأة بعد التَّطْلِيق .

قوله : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ } : مبتدأٌ وخبرٌ ، وهل هذه الجملةُ من بابِ الخبرِ الواقعِ موقعَ الأمر ، أي : لِيتَرَبَّصْنَ ، أو عَلَى بابها ؟ قولان ، وقال الكوفيون : إنَّ لفظها أمرٌ ؛ على تقدير لام الأمرِ ، ومَنْ جعلها على بابها ، قدَّر : وحُكْمُ المطلَّقَاتِ أَنْ يتربَّصْنَ ، فحذف " حُكْمُ " مِن الأول ، و " أن " المصدرية من الثاني ، وهو بعيدٌ جدّاً .

و " تَرَبَّصَ " يتعدَّى بنفسَه ؛ لأنه بمعنى انْتَظَرَ ، وهذه الآيةُ تحتمِلُ وجهين :

أحدهما : أن يكون مفعول التربُّص محذوفاً ، وهو الظاهرُ ، تقديرُه : يتربَّصْنَ التزويجَ أو الأزواجَ ، ويكونُ " ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ " على هذا منصوباً على الظرف ؛ لأنَّ اسمُ عددٍ مضافٍ إلى ظرفٍ .

والثاني : أن يكون المفعولُ هو نفسَ " ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ " أي : ينتظرونَ مُضِيَّ ثلاثةِ قُرُوءٍ .

وأمَّا قوله : { بِأَنْفُسِهِنَّ } [ فيحتمل وجهين ، أحدهما ، وهو الظاهرُ : أَنْ يتعلَّق ب " يَتَرَبَّصْنَ " ، ويكونَ معنى الباءِ السببية ، أي : بسبب أنفسِهنَّ ] ، وذِكْرُ الأنفسِ أو الضميرِ المنفصلِ في مثلِ هذا التركيب واجبٌ ، ولا يجوزُ أَنْ يُؤتَى بالضميرِ المتصل ، لو قيل في نظيرِه : " الهِنْدَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِهِنَّ " لم يجُز ؛ لئلاَّ يَتَعَدَّى فِعْلُ المضمر المنفصلِ إلى ضميرِه المتصل في غير الأبواب الجائز فيها ذلك .

والثاني : أن يكونَ " بَأَنْفُسِهِنَّ " تأكيداً للمضمرِ المرفوع المتصلِ ، وهو النونُ ، والباءُ زائدة في التوكيد ؛ لأَنَّه يجوزُ زيادتها في النفسِ والعينِ مُؤكَّداً بهما ؛ تقولُ : " جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ وِبِنَفْسِهِ وَعَيْنُهُ وَبِعَيْنِهِ " ؛ وعلى هذا : فلا تتعلَّقُ بشيء لزيادتها ، لا يقالُ : لا جائزٌ أن تكونَ تأكيداً للضمير ؛ لأنَّه كانَ يجبُ أن تُؤَكَّدَ بضميرِ رفعٍ منفصلٍ ؛ لأنه لا يُؤكَّدُ الضميرُ المرفوعُ المتصلُ بالنَّفسِ والعَيْنِ ، إلاَّ بعد تأكيده بالضميرِ المرفوع المنفصلِ ؛ فيقال : زَيْدٌ جَاءَ هُوَ نَفْسُهُ عَيْنُهُ " ؛ لأنَّ هذا المؤكَّد خرجَ عن الأصلِ ، لمَّا جُرَّ بالباءِ الزائدةِ أَشْبَهَ الفَضَلاَتِ ، فخرج بذلك عن حكم التوابع ، فلم يُلْتَزَمْ فيه ما التزِمَ في غيره ، ويُؤيِّد ذلك قولهم : " أَحْسِنْ بِزَيْدٍ ، وَأَجْمِلْ " ، أي : به ، وهذا المجرورُ فاعلٌ عند البصريِّين ، والفاعلُ عندهم لا يُحْذَفُ ، لكنه لَمَّا جَرَى مَجْرَى الفَضَلاتِ ؛ بسبب جَرِّه بالحرفِ ، أو خَرَجَ عن أصل باب الفاعل ؛ فلذلك جازَ حَذْفُه ، وعن الأَخْفَش ذَكَر في " المَسَائِلِ " أنهم قالوا : " قَامُوا أَنْفُسُهُمْ " من غير تأكيدٍ ، وفائدةُ التوكيدِ هنا أن يباشِرن التربُّصَ هُنَّ ، لا أنَّ غيرَهُنَّ يباشِرْنَهُنَّ التَّربُّصَ ؛ ليكونَ ذلك أَبلغَ في المرادِ .

فإن قيل : القُرُوءُ : جمع كثرةٍ ، ومن ثلاثةٍ إلى عشرة يُمَيَّزُ بجموع القلة ولا يُعْدَلُ عن القلةِ إلى ذلك ، إلا عند عدم استعمالِ جمع قلَّةٍ غالباً ، وهاهنا فلفظُ جمع القلَّةِ موجودٌ ، وهو " أَقْرَاء " ، فما الحكمةُ بالإِتيانِ بجمع الكثرةِ مع وجودِ جمعِ القلَّةِ ؟ .

فيه أربعةُ أوجهٍ :

أوّلها : أنه لمَّا جمع المطلَّقات جمع القُرُوء ، لأنَّ كلَّ مطلقةٍ تترَّبصُ ثلاثة أقراءٍ ؛ فصارَتْ كثيرةً بهذا الاعتبار .

والثاني : أنه من باب الاتساعِ ، ووضعِ أحدِ الجمعين موضعَ الآخر .

والثالث : أنَّ " قروءاً " جمعُ " قَرْءٍ " بفتح القافِ ، فلو جاء على " أَقْرَاء " لجاء على غير القياس ؛ لأنَّ أفعالاً لا يطَّردُ في فَعْلٍ بفتح الفَاء .

والرابع وهو مذهب المُبَرِّد : أنَّ التقدير " ثَلاثَةً مِنْ قُرُوءٍ " ، فحذف " مِنْ " ، وأجاز : ثَلاثَة حَمِيرٍ وثَلاثَةَ كِلاَبٍ ، أي : مِنْ حِمِيرٍ ، ومِنْ كِلاَبٍ ، وقال أبو البقاء{[3607]} : وقيل : التقديرُ " ثَلاثَةَ أقْرَاءٍ مِنْ قُرُوءٍ " وهذا هو مذهبُ المبرِّد بعينِه ، وإنما فسَّر معناه وأَوضحه .

فصل

اعلم أن المُطلَّقة هي المرأةُ الَّتي وقع عليها الطَّلاق ، وهي إمَّا أن تكون أجنبيةً أو منكوحةً .

فإن كان أجنبيةً ، فإذا وقع الطّلاق عليها فهي مطلَّقةٌ بحسب اللُّغة ، لكنَّها غير مطلَّقةٍ بحسب عُرْف الشَّرع ، والعِدَّةُ غير واجبةٍ عليها بالإجماع .

وأما المَنْكُوحة : فإن لم يكن مدخولاً بها ، لم تجب عليها العِدَّة ؛ لقوله تعالى : { إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } [ الأحزاب :49 ] ، وإن كانت مدخولاً بها : فإن كانت حاملاً ، فعدَّتها بوضع الحمل ؛ لقوله تعالى : { وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [ الطلاق :4 ] ، وإن كانت حائلاً ؛ فإن امتنع الحيض في حقِّها لصغر مفرط أو كبر مُفرطٍ ، فعِدَّتها بالأشهرِ ؛ لقوله تعالى : { وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّتِي لَمْ يَحِضْنَ } [ الطلاق :4 ] .

وإن لم يمتنع الحيض في حقِّها ؛ فإذا كانت رقيقة ، فَعِدَّتها قَرْءان ، وإن كانت حُرَّة ، فعدَّتها ثلاثة قُرُوءٍ .

فظهر من هذا أن العامَّ إِنَّما يحسن تخصيصه ، إذا كان الباقي بعد التَّخصيص أكثر ؛ لأن العادة جاريةٌ بإطلاق لفظ الكُلِّ على الغالب ؛ لأنَّه يُقَالُ في الثَّوبِ : إنه أَسود إذا كان الغَالِبُ فيه السَّوَاد وإن حصل فيه بياضٌ قليل ، فأمَّا إذا كان الغالبُ عليه البياض وكان السَّوادُ قليلاً ، كان إطلاق لفظ السَّواد عليه كذباً ؛ فثبت شرط تخصيص العامِّ ؛ أن يكون الباقي بعد التَّخصيص أكثر{[3608]} ، وهذه الآية ليست كذلك ، فإنه خرج من عمومها خمسة أقسامٍ ، فأطلق لفظ " المُطَلَّقَات " على قسم واحدٍ .

والجواب : أما الأجنبيَّة فخارجةٌ عن اللَّفظ ، فإنَّ الأَجنبيَّة لا يقال فيها : إنَّها مطلَّقة ، وأما غيرُ المدخولِ بها فالقرينة تخرجها ؛ لأن أصل العِدَّة شُرِعت لبراءة الرَّحم{[3609]} ، والحاجةُ إلى البراءة لا تحصلُ إلاَّ عند سبق الشُّغل ، وأمَّا الحامل والآيسةِ فهما خارجتان عن اللَّفظ ؛ لأن إيجاب الاعتداد بالأقراء ، يكون لم يجبُ الأقراء في حَقِّه .

وأمَّا الرقيق فتزويجهن كالنَّادِر ، فثبت أن الأَعمَّ الأَغلب باقٍ تحت العُمُومِ .

فإن قيل : " يَتَرَبَّصْن " خبر والمراد منه الأمر ، فما الفائدةُ في التَّعبير عن الأَمر بلفظ الخبر ؟

فالجواب من وجهين :

الأول : أنه - تعالى - لو ذكره بلفظ الأَمر ، لكان ذلك يُوهم أَنَّه لا يحصل المقصود ، إلاَّ إذا شرعت فيها بالقَصْد والاختيار ، وعلى هذا التَّقدير : فلو مات الزَّوج ، ولم تَعْلَم المرأَةُ حتى انقضت العِدَّةُ ، وجب ألاَّ يكون ذلك كافياً في المقصود ؛ لأنَّها إذا أُمِرَت بذلك لَمْ تخرج عن العُهْدَة إلا إذا قصدت أداء التَّكليف ، فلما ذكره بلفظ الخبر ، زال ذلك الوهم ، وعُرِف أَنَّه متى انقضت هذه القُرُوءُ ، حصل المقصُود سَوَاء علمت بذلك أو لَمْ تعلم ، وسواءٌ شرعت في العِدَّة بالرِّضا أو بالغضب .

الثاني : قال الزَّمخشري : التَّعبير عن الأمر بصيغة الخبر يفيد تأكيد الأمر ، والإشعار بأنَّه ممَّا يجب أن يتعلَّق بالمُسارعة إلى امتثاله ، فكأنَّهُنَّ امتثلن الأمر بالتَّربُّص ، فهو يُخْبِرُ عنه موجوداً ؛ ونظيره قولهم في الدُّعاء رحمك اللهُ ؛ أُخرج في صورة الخبر ثقة بالإجابة ، كأنَّها وجدت الرَّحمة فهو يُخْبر عنها .

فإن قيل : لو قال : " يَتَرَبَّصُ المُطلَّقات " لكان ذلك جملة من فعلٍ وفاعلٍ ، فما الحكمة من ترك ذلك ، وعدولِهِ عن الجملة الفعليَّة إلى الجملة الاسميَّة ، وجعل المُطلَّقات مبتدأ ، ثم قوله : " يتربّصن " إسنادٌ للفِعل إلى ضمير المُطَلَّقات ، ثم جعل هذه الجملة خبراً عن ذلك المُبتدأ .

قال الشَّيخ عبد القاهر الجرجانيُّ في كتاب " دَلاَئِل الإِعْجَازِ " : إنَّك إذا قَدَّمت الاسم ، فقلت : زيدٌ فعل ، فهذا يفيد من التَّأكيد والقُوَّة ما لا يُفيد قولك : " فَعَلَ زَيْدٌ " ؛ وذلك لأنَّ قولك : " زَيْدٌ فَعَل " قد يُستعمل في أمرين :

أحدهما : أن يكون لتخصيص ذلك الفعل بذلك الفاعل ؛ كقولك : أنا أكتب في المُهِمِّ الفُلانيّ إلى السُّلطان ، والمراد دعوى الإنسان الانفراد .

والثاني : ألاَّ يكون المقصود الحصر ، بل إنَّ تقديم ذكر المُحَدّث عنه بحديث كذا لإثبات ذلك الفعل له ؛ كقولهم : " هُوَ يُعْطِي الجَزِيلَ " ولا يريد الحصر ، بل أن يُحَقِّق عند السَّامع أَنَّ إِعطَاء الجزيل دأبه ؛ وذلك مثل قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } [ النحل :20 ] ، وليس المراد تخصيص المخلوقيَّة بهم ، وقوله تعالى : { وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَقَدْ دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ } [ المائدة :61 ] ؛ وقول الشَّاعر : [ الطويل ]

هُمَا يَلْبِسَانِ المَجْدَ أَحْسَنَ لِبْسَةٍ *** شَجِيعَانِ مَا اسْطَاعَا عَلَيْهِ كَلاَهُمَا{[3610]}

والسَّببُ في حُصُولِ هذا المعنى عند تقديم ذكر المبتدأ : أنَّكَ إذا قلت : " عَبْدُ اللهِ " فقد أشعرت بأَنَّك تريد الإِخبار عنه ، فيحصل في النَّفسِ شوق إلى معرفةِ ذلك ، فإذا ذكرت ذلك الخبر ، قبله العقل بتشوُّق ، فيكون ذلك أبلغ في التَّحقيق ، ونفي الشُّبهة .

فإن قيل : هلا قيل : يَتَرَبَّصْن ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ ، وما الفائدة في ذكر الأنفُسِ ؟

فالجواب : إن في ذكر الأنفس بعث على التَّربُّص وتهييجُ عليه ؛ لأن فيه ما يستنكفن منه ، فيحملهنَّ على أن يتربَّصن ، وذلك لأَنَّ أنفس النِّساء طوامحٌ إلى الرِّجال ، فأراد أن يقعن على أنفسهن ، ويغلبنها على الطُّموح ، ويحرِّضنها على التَّربُّص .

فإن قيل : لم لم يقل : ثلاث قروء ؛ كما يقال : ثَلاَث حِيَضٍ ؟

والجواب : أنه أتبع تذكير اللَّفظ ، ولفظ " قَرْء " مذكَّر .

والقرء في اللغة : أصله الوقت المعتاد تردده ، ومنه : قرء النَّجم لوقت طلوعه وأفوله ، يقال : " أَقْرَأَ النَّجْمُ " ، أي : طلع أو أفل ، ومنه قيل لوقت هبوب الرِّيح : قرؤها وقارئها ؛ قال الشاعر : [ الوافر ]

شَنِئْتُ العَقْرَ عَقْرَ بَنِي شُلَيْلٍ *** إِذَا هَبَّتْ لِقَارِيهَا الرِّيَاحُ{[3611]}

أي : لوقتها ، وقيل : أصله الخروج من طهر إلى حيضٍ ، أو عكسه ، وقيل : هو من قولهم : قَرَيْتُ المَاءَ في الحَوْضِ ؛ أي : جمعته ، ومنه : قرأ القرآن . وقولهم : ما قرأت هذه الناقة في بطنها سَلاً قطٌّ ، أي لم تجمع فيه جنيناً ؛ ومنه قول عمرو بن كلثوم : [ الوافر ]

ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أَدْمَاءَ بَكْرٍ *** هِجَانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأْ جَنِينَا{[3612]}

فعلى هذا : إذا أريد به الحيض ، فلاجتماع الدَّم في الرَّحم ، وإن أريد به الطهر ، فلاجتماع الدَّم في البدن ، وهذا قول الأصمعي ، والفرَّاء ، والكسائيّ{[3613]} .

قال شهاب الدِّين : وهو غلطٌ ؛ لأنَّ هذا من ذوات الياء ، والقرء مهموزٌ .

وإذا تقرَّر ذلك فاختلف العلماء في إطلاقه على الحيض والطهر : هل هو من باب الاشتراك اللفظيِّ ، ويكون ذلك من الأضداد أو من الاشتراك المعنويِّ ، فيكون من المتواطئ ؛ كما إذا أخذنا القدر المشترك : إمَّا الاجتماع ، وإمَّا الوقت ، وإمَّا الخروج ، ونحو ذلك . وقرء المرأة لوقت حيضها وطهرها ، ويقال فيهما : أَقْرَأَتِ المَرْأَةُ ، أي : حاضت أو طهرت ، وقال الأخفش : أَقْرَأَتْ أي : صارت ذات حيضٍ ، وقرأت بغير ألفٍ أي : حاضت ، وقيل : القرء ، الحيض ، مع الطهر ، وقيل : ما بين الحيضتين . والقائل بالاشتراك اللفظيِّ وجعلهما من الأضداد هم جمهور أهل اللِّسان ؛ كأبي عمرو ويونس وأبي عبيدة .

ومن مجيء القرء والمراد به الطهر قول الأعشى : [ الطويل ]

أَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمُ غَزْوَةٍ *** تَشُدُّ لأَقْصَاهَا عَظِيمَ عَزَائِكَا

مُوَرِّثَةً عِزًّا وَفِي الحَيِّ رِفْعَةً *** لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا{[3614]}

أراد : أنَّه كان يخرج من الغزو ولم يغش نساءه ، فيضيع أقراءهنّ ، وإنما كان يضيع بالسَّفر زمانَ الطُّهر لا زمان الحيض .

ومن مجيئه للحيض قوله : [ الرجز ]

يَا رُبَّ ذِي ضِغْنٍ عَلَيَّ فَارِضِ *** لَهُ قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الْحَائِضِ{[3615]}

أي : طعنته فسال دمه كدم الحائض ، ويقال " قُرْء " بالضمِّ نقله الأصمعيُّ ، و " قَرْء " بالفتح نقله أبو زيدٍ ، وهما بمعنى واحد .

وقرأ الحسن{[3616]} : " ثَلاَثَةَ قَرْوٍ " بفتح القاف وسكون الراء وتخفيف الواو من غير همزٍ ؛ ووجهها : أنه أضاف العدد لاسم الجنس ، والقرو لغةٌ في القرء ، وقرأ الزُّهريُّ - ويروى عن نافع - : " قُرُوِّ " بتشديد الواو ، وهي كقراءة الجمهور ، إلا أنه خفَّف ، فأبدل الهمزة واواً ، وأدغم فيها الواو قبلها .

فصل

مذهب الشَّافعيِّ - رضي الله عنه - : أنها الأطهار ؛ وهو مرويٌّ عن ابن عمرو ، وزيد ، وعائشة ، والفقهاء السَّبعة ، ومالك وربيعة ، وأحمد في رواية .

وقال عليٌّ ، وعمر ، وابن مسعود : هي الحيض ؛ وهو قول أبي حنيفة والثَّوريِّ والأوزاعيّ ، وابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وإسحاق ، وأحمد في رواية رضي الله عنهم .

وفائدة الخلاف : أن مدَّة العدَّة عند الشَّافعيّ أقصر ، وعندهم أطول حتَّى لو طلَّقها في حال الطُّهر ، يحسب بقيَّة الطُّهر قرءاً ، وإن حاضت عقيبه في الحال ، فإذا شرعت في الحيضة الثَّالثة ، انقضت عدَّتها ، وإن طلَّقها في حال الحيض فإذا شرعت في الحيضة الرَّابعة ، انقضت عدَّتها .

وعند أبي حنيفة : ما لم تطهر من الحيضة الثَّالثة ، إن كان الطَّلاق في حال الطُّهر ومن الحيضة الرَّابعة إن كان الطلاق في حال الحيض ، لا يحكم بانقضاء عدَّتها ، ثم قال : إذا طهرت لأكثر الحيض ، تنقضي عدَّتها قبل الغسل ، وإن طهرت لأقلِّ الحيض ، لم تنقض عدَّتها .

وحجَّة الشَّافعي من وجوه :

أولها : قوله تعالى : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [ الطلاق :1 ] أي : في وقت عدَّتهن ؛ كقوله تعالى : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } [ الأنبياء :47 ] ، أي : في يوم القيامة ، والطَّلاق في زمن الحيض منهيٌّ عنه ؛ فوجب أن يكون زمان العدَّة غير زمان الحيض .

أجاب صاحب " الكَشَّاف " بأن معنى الآية : مستقبلات لعدَّتهن كما يقال : لثلاث بقين من الشَّهر ، يريد : مستقبلاً لثلاث .

قال ابن الخطيب{[3617]} : وهذا يقوِّي استدلال الشَّافعي - رضي الله عنه - لأن قوله : " لِثَلاَثٍ بَقِين من الشَّهْرِ " معناه : لزمانٍ يقع الشُّروع في الثَّلاثِ عقيبه ، وإذا كان الإذن حاصلاً بالتَّطليق في جَميع زَمَانِ الطُّهر ، وجَبَ أن يكُون الطُّهْرُ الحاصِل عَقِيب زمان التَّطليق من العدَّة ، وهو المطلوب .

وثانيها : روي عن عائشة - رضي الله عنها - ؛ أنها قالت : " هل تَدْرُونَ ما الأَقْرَاءُ ؟ الأَقْرَاءُ الأَطْهَارُ " {[3618]} .

قال الشَّافعي : والنساء بهذا أعلم ؛ لأن هذا إنما يبتلى به النِّساء .

وثالثها : وهو ما تقدَّم من أن " القرْءَ " عبارةٌ عن الجمع ، واجتماع الدَّم إنَّما هو زمان الطُّهر ؛ لأن الدَّم يجتمع في ذلك الزَّمان في البدن .

فإن قيل : بل زمان الحيض أولى بهذا الاسم ؛ لأنَّ الدَّم يجتمع في هذا الزَّمان في الرَّحم .

قلنا : لا يجتمع الْبَتَّةَ في زمان الحيض في الرَّحم ، بل ينفصل قطرةً قطرةً ، وأمَّا وقت الطُّهر ، فالكلُّ مجتمعٌ في البدن لم ينفصل منه شيءٌ ، وكان معنى الاجتماع وقت الطُّهر أتم ؛ لأن الدَّم من أوَّل الطُّهر يأخذ في الاجتماع والازدياد إلى آخره ، فكان آخر الطُّهر هو القرء في الحقيقة .

ورابعها : أن الأصل ألاّ يكون لأحدٍ على أحدٍ من المكلَّفين حقّ الحبس والمنع من التّصرُّفات ، وإنما تركنا العمل بهذا عند قيام الدَّليل عليه ، وهو أقلُّ ما يسمَّى بالأقراء الثَّلاثة وهي الأطهار ؛ لأن الاعتداد بالأطهار أقلّ زماناً من الاعتداد بالحيض ، وإذا كان كذلك ، أثبتنا الأقلّ ضرورة العمل بهذه الآية ، واطرحنا الأكثر ؛ للدَّلائل الدَّالَّة على أنَّ الأصل ألاَّ يكون لأحدٍ على غيره حقّ الحبس والمنع .

حجة أبي حنيفة وجوه :

أحدها : أنَّ الأقراء في اللُّغة ، وإن كانت مشتركةً بين الأطهار والحيض ؛ إلا أن الشَّرع غلَّب استعمالها في الحيض ؛ لما روي أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " دَعِي الصَّلاَةَ أَيَّامَ أَقْرَائِك " {[3619]} والمراد أيَّام الحَيْضِ .

وثانيها : ما تقدَّم من وروده بمعنى الحيض .

وثالثها : أنا إذا قلنا : بأن الأقراء هي الحيض ، أمكن معه استيفاء ثلاثة أقراءٍ بكمالها ؛ لأنّا نقول إنّ المطلَّقة يلزمها تربُّص ثلاث حيضٍ ، وإنَّما تخرج عن العهدة بزوال الحيضة الثَّالثة ، ومن قال : إنَّه الطُّهر يجعلها خارجة من العهدة بقَرْءين وبعض الثَّالث ؛ لأن عنده إذا طلَّقها في آخر الطُّهر تعتدُّ بذلك قرءاً ، فإذا كان في أحد القولين تكمل حقيقة اللَّفظ بالثَّلاثة .

أجاب الشَّافعي بأن قال : قال الله تعالى : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } [ البقرة :197 ] والأشهر جمع ، وأقلُّه ثلاثة ، وقد حملناه على شهرين وبعض الثَّالث ، وذلك شوَّال ، وذو القعدة ، وبعض ذي الحجَّة ، هكذا هاهنا يجوز أن نحمل هذه الثَّلاثة على طهرين وبعض الثَّالث .

أجاب الجبَّائي عن هذا بوجهين{[3620]} .

الأول : أنَّا تركنا الظَّاهر في هذه الآية بدليل ، ولا يلزمنا أن نترك الظَّاهر هنا من غير دليلٍ .

والثاني : أن في العدَّة تربُّصاً متَّصلاً ، فلا بدَّ من استعمال الثَّلاثة ، ولا كذلك أشهر الحجِّ ؛ لأنه ليس فيها فعل متصلٌ ، فكأنَّه قيل : هذه الأشهر وقت الحجِّ لا على سبيل الاستغراق ، ثم إن الثَّلاثة نصٌّ في إفرادها لا تحتمل التَّنقيص ، ولا كذلك قوله : " أَشْهُر " ؛ لأنَّه ليس بنصٍّ في الثلاثة ؛ لأن العلماء اختلفوا في أقلِّ الجمع{[3621]} ، ولا يقاس ما فيه نصٌّ على ما لا نصَّ فيه بل العكس .

وأجيب الجبَّائي بوجهين :

الأول : كما أن حمل الأقراء على الأطهار يوجب الزّيادة ؛ لأنه إذا طلَّقها في أثناء الطُّهر ، لم يحسب ما بقي من ذلك الطُّهر في العدَّة فتحصل الزِّيادة .

واعتذروا عنه : بأن الزِّيادة لا بدَّ من تحمُّلها لأجل الضَّرورة ، لأنه لو جاز الطَّلاق في الحيض ، لأمرناه بالطَّلاق في آخر الحيض حتى يُعْتَدَّ بأطهارٍ كاملةٍ ، وإذا اختص الطَّلاق بالطُّهر ، صارت تلك الزِّيادة محتملة للضَّرورة .

ونحن نقول : لمَّا صارت الأقراء مفسَّرة بالأطهار ، والله تعالى أمرنا بالطَّلاق في الطُّهر صار تقدير الآية : يتربَّصن بأنفسهن ثلاثة أطهارٍ ؛ طهر الطَّلاق وطهران آخران ، ثم لزم من كون الطُّهر الأوَّل طهر الطَّلاق ، أن يكون ذلك الطَّهر ناقصاً ، ليعتدّ بوقوع الطَّلاق فيه .

الوجه الثاني في الجواب : أنّا بيَّنَّا أن القَرْء اسمٌ للاجتماع وكمال الاجتماع إنَّما يحصل في آخر الطُّهر ، فكان في الحقيقة الجزء الأخير من الطُّهر قرءاً تاماً ، وعلى هذا التَّقدير ؛ لم يلزم دخول النُّقصان في شيءٍ من الأقراء .

ورابعها : أنه - تعالى - نقل إلى الشُّهور عند عدم الحيض ؛ قال : { وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّتِي لَمْ يَحِضْنَ } [ الطلاق :4 ] فأقام الأشهر مقام الحيض دون الأطهار .

وأيضاً : لما شرعت الأشهر بدلاً عن الأقراء ، والبدل يعتبر بتمامها ؛ لأن الأشهر لا بدَّ من إتمامها ، فوجب أيضاً أن يكون الكمال معتبراً في المبدل ، فوجب أن تكون الأقراء كاملة وهي الحيض ، وأما الأطهار فيجب فيها قرءان وبعض قرءٍ .

وخامسها : قوله - عليه الصَّلاة والسلام - : " طَلاَق الأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ " {[3622]} وأجمعوا على أنَّ عدَّة الأمة نصف عدَّة الحرَّة ، فوجب أن تكون عدَّة الحرَّة هي الحيض .

وسادسها : أجمعنا على وجوب الاستبراء في الجواري بالحيض ، فكذا العدَّة ؛ لأن المقصود من الاستبراء والعدَّة شيءٌ واحدٌ ؛ لأن أصل العدَّة إنَّما شرع لاستبراء الرَّحم ، وإنما تستبرأ الرَّحم بالحيض لا بالطُّهر ؛ فوجب أن يكون هو المعتبر .

وسابعها : إن القول بأن القرء هو الحيض احتياطٌ ، وتغليبٌ لجانب الحرمة ؛ لأن المطلَّقة إذا مرَّ عليها بقية الطُّهر ، وطعنت في الحيضة الثَّالثة ، فإن جعلنا القرء هو الحيض ، فحينئذ يحرم للغير التَّزويج بها ، وإن جعلنا القرء هو الطُّهر ، فحينئذٍ يجوز تزويجها ، وجانب التَّحريم أولى بالرِّعاية ؛ لقوله - عليه الصَّلاة والسَّلام - : " ما اجْتَمَعَ الحَلاَلُ والحَرَامُ إلاَّ غَلَبَ الحَرَامُ الحلالَ{[3623]} " ولأن الأصل في الأبضاع الحرمة ، وهذا أقرب إلى الاحتياط ، فكان أولى ؛ لقوله - عليه الصَّلاة والسَّلام - : " دَعْ مَا يرِيبُك إلَى مَا لاَ يرِيبُكَ " {[3624]} .

قوله : { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ } الجارُّ متعلَّقٌ ب " يَحِلُّ " واللام للتبليغ ، كهي في " قُلْتُ لَكَ " .

قوله : { مَا خَلَقَ اللهُ } في " مَا " وجهان :

أظهرهما : أنَّها موصولة بمعنى " الَّذِي " .

والثاني : أنها نكرةٌ موصوفةٌ ، وعلى كلا التقديرين ، فالعائد محذوفٌ لاستكمال الشروط ، والتقدير : ما خلقه ، و " مَا " يجوز أن يراد بها الجنين ، وهو في حكم غير العاقل ، فلذلك أوقعت عليه " مَا " وأن يراد بها دم الحيض .

قوله : { فِي أَرْحَامِهِنَّ } فيه وجهان :

أحدهما : أن يتعلَّق ب " خَلَقَ " .

والثاني : أن يتعلَّق بمحذوفٍ ؛ على أنه حالٌ من عائد " مَا " المحذوف ، التقدير : ما خلقه الله كائناً في أرحامهنَّ ، قالوا : وهي حالٌ مقدَّرةٌ ؛ قال أبو البقاء{[3625]} : " لأَنَّ وقتَ خَلْقِه لَيْسَ بشيءٍ ، حتَّى يَتِمَّ خَلْقُهُ " ، وقرأ مُبَشِّر بن عبيدٍ{[3626]} : " في أَرْحَامِهُنَّ " و " بِرَدِّهُنَّ " بضمِّ هاء الكناية ، وقد تقدَّم أنه الأصل ، وأنه لغة الحجاز ، وأنَّ الكسر لأجل تجانس الياء والكسرة .

قوله : " إِن كُنَّ " هذا شرطٌ ، وفي جوابه المذهبان المشهوران : إمَّا محذوفٌ ، وتقديره من لفظ ما تقدَّم ؛ لتقوى الدلالة عليه ، أي : إنْ كُنَّ يؤمنَّ بالله واليَوم الآخر ، فلا يحلُّ أن يكتمن ، وإمَّا أنه متقدِّمٌ ؛ كما هو مذهب الكوفيين وأبي زيدٍ ، وقيل : " إنْ " بمعنى " إِذْ " ، وهو ضعيفٌ .

فصل في بيان تصديق قول المرأة في انقضاء عدتها

اعلم أن انقضاء العدَّة لما كان مبنياً على انقضاء الأقراء في حقِّ ذوات الأقراء ، وكان علم ذلك متعذِّرٌ على الرِّجال ، جعلت المرأة أمينة على العدَّة ، وجعل القول قولها إذا ادَّعت انقضاء أقرائها في مدَّة يمكن ذلك فيها ، وهو على مذهب الشَّافعيّ اثنان وثلاثون يوماً وساعة ؛ لأن أمرها يحمل على أنَّها طلِّقت طاهرة ، فحاضت بعد ساعةٍ يوماً وليلة ، وهو أقلُّ الحيض ، ثم طهرت خَمْسَةَ عَشَر يوماً ، وهو أقَلُّ الطُّهْر ، ثم حاضَت يوماً وليلةً ، ثم طَهُرَت خَمْسَة عَشَر يَوْماً ، ثم رَأَتِ الدَّمَ ، فقد انْقَضَت عِدَّتُها ؛ لحصول ثلاثة أطهارٍ فمتى ادَّعت هذا أو أكثر منه ، قبل قولها ، وكذلك إن كانت حاملاً فادَّعت أنها أسقطت فالقول قولها ؛ لأنها أمينة عليه .

فصل في المراد بالكتمان

قال القرطبي{[3627]} : ومعنى النَّهي عن الكتمان : النَّهي عن الإضرار بالزَّوجِ وإذهاب حقِّه ، فإذا قالت المطلَّقة : حضتُ وهي لم تحِض ، ذهبت بحقِّه في الارتجاع ، وإذا قالت : لم أَحِضْ وهي قد حَاضَتْ ، ألْزَمَتْهُ من النَّفَقَةِ ما لم يَلْزَمه ، فأضرَّت به ، أو تقصد بكذبها في نفس الحيض ألاَّ ترجع حتى تنقضي العدَّة ويقطع الشَّرع حقَّه ، وكذلك الحاملُ تكتم الحمل ؛ لتقطع حقَّه في الارتجاع .

قال قتادة : كانت عادتهن في الجاهليَّة أن يكتمن الحمل ليلحقن الولد بالزَّوج الجديد ؛ ففي ذلك نزلت الآية{[3628]} .

فصل

اختلف المفسِّرون في قوله : { مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ } :

فقيل : هو الحَبَلُ والحَيْضُ معاً ، وذلك لأنَّ المَرْأة لَهَا أغْرَاض كَثِيرة في كتمانها ؛ أمّا الحبل ؛ فإنه يكون غرضها فيه أنَّ انقضاء عدَّتها بالقروء ؛ لأنه يكون أقلَّ زماناً من انقضاء عدَّتها يوضع الحمل ، فإذا كتمت الحمل ، قصرت مدّة عدَّتها فتتزوَّج بسرعة وربما كرهت مراجعة الزَّوج ، وربما أحبَّت التَّزويج بزوج آخر ، أو أحبَّت أن تلحق ولدها بالزَّوج الثَّاني ، فلهذه الأغراض تكتم الحمل ، وأما كتمان الحيض ، فقد يكون غرضها إذا كانت من ذوات الأقراء أن تطول عدَّتها لكي يراجعها الزَّوج ، وقد تحبُّ تقصير عدَّتها لتبطل رجعته ولا يتمُّ لها ذلك إلاَّ بكتمان بعض الحيض في بعض الأوقات ، فوجب حمل النَّهي على مجموع الأمرين .

وقال ابن عبَّاسٍ وقتادة : هو الحيض{[3629]} فقط ؛ لقوله تعالى : { هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ } [ آل عمران :6 ] ، ولأن الحيض خارجٌ عن الرَّحم لا مخلوقٌ فيه ، وحمل قوله - تعالى - : { مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ } على الولد الذي هو شريف ، أولى من حمله على شيءٍ قَذِرٍ خسيسٍ .

وأجيب بأن المقصود منعها عن إخفاء هذه الأحوال الَّتي لا اطِّلاع لغيرها عليها ، وبسببها يختلف الحلُّ والحرمة في النِّكاح ، فوجب حمل اللَّفظ على الكلِّ ، وقيل : هو الحيض ؛ لأن هذا الكلام إنَّما ورد عقيب ذكر " الأَقْرَاءِ " ، ولم يتقدَّم ذكر الحمل .

وأجيب : بأنَّ هذا كلامٌ مُسْتَأْنَفٌ مستَقِلٌّ بِنَفْسِه ، من غير أن يُرَدَّ إلى ما تقدَّم ، فوجب حمله على كلِّ ما يخلق في الرَّحم .

وقوله : { إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } ليس المراد : أن ذلك النَّهي مشروطاً بكونها مؤمنة ، بل هذا كقول المظلوم للظَّالم : " إن كُنْتَ مُؤْمِناً فَيَنْبَغِي أن يَمْنَعَكَ إيمَانُك عن ظُلْمِي " ، وهذا تهديدٌ شديد في حقِّ النّساء ؛ فهو كقوله في الشَّهادة : { وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } [ البقرة :283 ] ، وقوله :

{ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ } [ البقرة :283 ] .

قوله تعالى : { وَبُعُولَتُهُنَّ } الجمهور على رفع تاء " بُعُولَتُهُنَّ " وسكَّنها{[3630]} مسلمة بن محاربٍ{[3631]} ، وذلك لتوالي الحركات ، فخُفِّف ، ونظيره قراءة{[3632]} :

{ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } [ الزخرف :80 ] بسكون اللام حكاها أبو زيد ، وحكى أبو عمرو : أنَّ لغة تميم تسكين المرفوع من " يُعَلِّمُهُمُ " ونحوه ، وقيل : أجرى ذلك مجرى " عَضُدٍ ، وعَجُزٍ " ؛ تشبيهاً للمنفصل بالمتصل ، وقد تقدَّم ذلك .

و { أَحَقُّ } خبرٌ عن " بُعُولَتُهُنَّ " وهو بمعنى حقيقون ؛ إذ لا معنى للتفضيل هنا ؛ فإنَّ غير الأزواج لا حقَّ لهم فيهنَّ البتَّة ، ولا حقَّ أيضاً للنِّساء في ذلك ، حتى لو أبت هي الرَّجعة ، لم يعتدَّ بذلك .

وقال بعضهم : هي على بابها ؛ لأنه تعالى قال : { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ } فكان تقدير الآية : فإنَّهن إن كتمن لأجل أن يتزوَّج بهنَّ زوجٌ آخر ، فإنَّ الزَّوج الأوَّل أحقُّ بردِّها ؛ لأنه ثبت للزَّوج الثَّاني حقٌّ في الظَّاهر ؛ لادِّعائها انقضاء عدَّتها .

وأيضاً : فإنَّها إذا كانت معتدَّة ، فلها في انقضاء العدَّة حقُّ انقطاع النِّكاح ، فلما كان لهنَّ هذا الحقُّ الذي يتضمَّن إبطال حقِّ الزَّوج ، جاز أن يقول : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ } حيث إن لهم أن يبطلوا بسبب الرَّجعة ما هنَّ عليه من العدَّة .

و " البُعُولة " فيها قولان :

أحدهما : إنه جمع " بَعْل " كالفحولة والذُّكورة والجدودة والعمومة ، والهاء زائدة مؤكِّدة لتأنيث الجماعة ولا ينقاس ، بل إنَّما يجوز إدخالها في جمع رواة أهل اللُّغة عن العرب ، فلا يقال في كعب : كُعُوبة ، ولا في كَلْب : كلابة .

والبعل زوجُ المَرْأةِ ؛ قالوا : وسُمِّي بذلك على المستعلي ، فلما علا من الأرض فَشَرِبَ بعروقه . ويقال : بَعَلَ الرَّجُلُ يبعلُ ؛ كمنع يمنعُ . ويشترك فيه الزَّوجان ؛ فيقال للمرأة : بعلة ؛ كما يقال لها : زَوْجَةٌ في كَثِير من اللُّغَاتِ ، وزَوْجٌ في أَفْصَح الكَلاَم ، فهما بَعْلاَن كما أنَّهما زوجان ، وأصل البعل : السَّيِّد المالِك فيما نقل ، يقال : من بعلُ هذه النَّاقة ؟ كما يقال من ربُّها ؟ وبعل : اسم صنم ، كانوا يتَّخذونه ربّاً ؛ قال تعالى : { أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ } [ الصافات :125 ] ، وقد كان النِّساء يدعون أزواجهن بالسودد .

الثاني : أنّ البعولة مصدر ، يقال : بعل الرَّجُل يَبْعَل بُعُولَةً وبِعَالاً ، إذا صَارَ بَعْلاً ، وبَاعَل الرَّجُل امْرَأَتَهُ : إذا جَامَعَهَا ؛ ومنه الحديث : أن النبيَّ - عليه الصَّلاة والسَّلام - قال في أيَّام التَّشريق : " إِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ " {[3633]} ، وامرأة حَسَنَةُ التَّبَعّل إذا كَانَت تُحْسِن عِشْرَةَ زَوْجِها ، ومنه الحديث : " إِذَا أَحْسَنْتُنَّ تبعُّلَ أزواجكن " .

قوله : { بِرَدِّهِنَّ } متعلِّقٌ ب " أَحَقّ " . وقوله " فِي ذَلِكَ " فيه وجهان :

أحدهما : أنه متعلّقٌ أيضاً ب " أَحَقّ " ، ويكون المشار إليه بذلك على هذا وقت العدَّة ، أي تستحقّ رجعتها ما دامت في العدَّة ، وليس المعنى : أنه أحقُّ أن يردَّها في العدَّة ، وإنما يردُّها في النكاح ، أو إلى النكاح .

والثاني : أن يتعلَّق بالردِّ ، ويكون المشار إليه بذلك على هذا النِّكاح ، قاله أبو البقاء{[3634]} .

والضمير في " بُعُولَتِهِنَّ " عائدٌ على بعض المطلَّقات ، وهنَّ الرَّجعيَّات خاصَّةً ، وقال أبو حيَّان : " والأولَى عندي : أن يكونَ على حَذْفِ مضافٍ دَلَّ عليه الحكم ، أي : وبُعُولَةُ رَجْعِيَّاتِهِنَّ " .

ومعنى الردّ هنا : الرُّجوع ؛ قال - تعالى - : { وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي } [ الكهف :36 ] ، وقال في موضع آخر : { وَلَئِن رُّجِعْتُ } [ فصلت :50 ] .

فإن قيل : ما معنى الرَّدّ في الرَّجعيَّة وهي زوجة ، ما دامت في العِدَّة ؟

فالجواب : أنّ الردّ والرَّجعة يتضمَّن إبطال التَّربُّص والتَّحرِّي في العدَّة ، فإنَّها ما دامت في العدَّة ، كأنَّها جارية إلى إبْطال حقِّ الزَّوج ، وبالرَّجعة بطل ذلك فسمِّيت الرَّجعة ردّاً ، لاسيَّما ومذهب الشَّافعيِّ أنه يحرم الاستمتاع بها إلاّ بعد الرَّجعة ، فالردُّ على مذهبه فيه معنيان :

أحدهما : ردّها من التَّربُّص إلى خلافه .

والثاني : ردُّها من الحرمة إلى الحلِّ .

قوله : { إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً } فالمعنى : أن الأزواج أحقُّ بالمراجعة ، إن أرادوا الإصلاح ولم يريدا المضارَّة ؛ ونظيره قوله - تعالى - : { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } [ البقرة :231 ] .

والسَّبب في ذلك : أنَّ الرَّجل كان في الجاهليَّة يطلِّق امرأته ، فإذا قرب انقضاء عدَّتها ، راجعها ثم تركها مدَّة ثمَّ طلَّقها ، فإذا قرب انقضاء عدَّتها ، راجعها ثمَّ طلَّقها ثم بَعْدَ مدَّة طلقها يقصد بذلك تطويل عدَّتها ، فنهوا عن ذلك{[3635]} ، وجعل إرادة الإصلاح شرطاً في المراجعة .

فإن قيل : الشَّرط يقتضي انتفاء الحكم عند انتفائه ، فيلزم إذا لم توجد إرادة الإصلاح ألاّ تصحّ الرَّجعة ؟

فالجواب : أنّ الإرادة صفةٌ باطنةٌ لا اطِّلاع لنا عليها ، والشَّرع لم يوقف صحَّة المراجعة عليها ؛ بل جوازها فيما بينه وبين الله - تعالى - موقوف على هذه الإرادة ، فإن راجعها لقصد المضارَّة ، استحقَّ الإثم .

فصل

نقل القرطبي{[3636]} عن مالك ، قال : إذا وطئ المعتدَّة الرَّجعيَّة في عدَّتها ، وهو يريد الرَّجعة وجهل أن يُشهد ، فهي رجعةٌ ، وينبغي للمرأة أن تمنعه الوطء حتى يشهد ؛ لقوله - عليه الصَّلاة والسَّلام - : إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وإنَّمَا لكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى{[3637]} " فإن وطئَ في العدَّة ، لا ينوي به الرَّجعة ؛ فقال مالكٌ : يراجع في العدَّة ، ولا يطأ حتى يستبرئها من مائه الفاسد .

قال سعيد بن المسيَّب ، والحسن البصري ، وابن سيرين ، والزُّهري ، وعطاء ، والثَّوري : إذا جامعها فقد راجعها{[3638]} .

فصل

من قبّل أو باشر ولم ينو بذلك الرَّجعة ، كان آثماً وليس بمراجعٍ . وقال أبو حنيفة وأصحابه : إن وطئها ، أو لمسها بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوةٍ ، فهي رجعة ، وينبغي أن يُشهد وهو قول الثَّوريّ .

فصل

قال أحمد : ولها التَّزيُّن لزوجها ، والتَّشرُّف ، وله الخلوة والسَّفر بها .

وقال مالك : لا يخلو معها ولا يدخل عليها إلاَّ بالإذن ، ولا ينظر إليها إلاَّ وعليها ثيابها ، ولا ينظر إلى شعرها .

وقال ابن القاسم : رجع مالك عن ذلك .

قوله : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ } خبرٌ مقدَّمٌ ، فهو متعلِّق بمحذوف ، وعلى مذهب الأخفشِ من باب الفعل والفاعل ، وهذا من بديع الكلام ، وذلك أنه قد حذف من أوَّله شيءٌ ثم أثبت في آخره نظيره ، وحذف من آخره شيءٌ أثبت نظيره في الأول ، وأصل التركيب : " وَلَهُنَّ على أزواجِهِنَّ مِثْلَ الذي لأَزْوَاجِهِنَّ عَلَيْهِنَّ " ، فحذف " عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ " لإثباتِ نظيره ، وهو " عَلَيْهِنَّ " ، وحذفت " لأَزْوَاجِهِنَّ " لإثبات نظيره ، وهو " لَهُنَّ " .

قوله : { بِالْمَعْرُوفِ } فيه وجهان :

أحدهما : أن يتعلَّق بما تعلَّق به " لَهُنَّ " من الاستقرار ، أي : استقرَّ لهُنَّ بالمعروف .

والثاني : أن يتعلَّق بمحذوفٍ على أنه صفةٌ ل " مِثْل " ؛ لأنَّ " مِثْل " لا يتعرَّفُ بالإضافة ؛ فعلى الأوَّل : هو في محلِّ نصبٍ ؛ وعلى الثاني : هو في محلِّ رفعٍ .

قوله : { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } فيه وجهان :

أظهرهما : أنَّ " لِلرِّجَالِ " خبرٌ مقدَّمٌ ، و " دَرَجَةٌ " مبتدأٌ مؤخرٌ ، و " عَلَيهِنَّ " فيه وجهان على هذا التقدير : إمَّا التعلُّقُ بما تعلَّق به " لِلرِّجَالِ " ، وإمَّا التعلقُ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من " دَرَجَةٌ " مقدَّماً عليها ؛ لأنه كان صفةً في الأصل ، فلمَّا قُدِّم انتصب حالاً .

والثاني : أن يكون " عَلَيْهِنَّ " هو الخبر ، و " للرجال " حال من " دَرَجَةٌ " ؛ لأنه يجوز أن يكون صفةٌ لها في الأصل ، ولكنَّ هذا ضعيفٌ ؛ من حيث إنه يلزم تقديم الحال على عاملها المعنويِّ ؛ لأنَّ " عَلَيْهِنَّ " حينئذٍ هو العالم فيها ؛ لوقوعه خبراً . على أنَّ بعضهم قال : متى كانت الحال نفسها ظرفاً أو جارّاً ومجروراً ، قوي تقديمها على عاملها المعنويِّ ، وهذا من ذاك ، هذا معنى قول أبي البقاء{[3639]} . وردَّه أبو حيان بأنَّ هذه الحال قد تقدَّمت على جزأي الجملة ، فهي نظير : " قَائِماً في الدَّارِ زَيْدٌ " ، قال : وهذا ممنوعٌ ، لا ضَعِيفٌ ؛ كما زعم بعضهم ، وجعل محلَّ الخلاف فيما إذا لم تتقدَّم الحالُ - العامل فيها المعنى - على جزأي الجملة ، بل تتوسَّط ؛ نحو : " زَيْدٌ قَائِماً في الدَّارِ " ، قال : " فأبو الحسن يُجيزُهَا ، وغيره يمنعها " . و " الرَّجُلُ " مأخوذ من الرُّجلة ، أي : القوَّة ، وهو أرجل الرَّجلين ، أي : أقواهما وفرس رَجِيلٌ : قويٌّ على المَشي ، والرَّجل معروفٌ لقوَّته على المشي ، وارتجل الكلام ، أي : قوي عليه من غير حاجةٍ فيه إلى فكرةٍ ورويَّة ، وترجَّل النَّهار : قوي ضياؤه .

و " الدَّرَجَة " هي المنزلة ، وأصلها : من درجتُ الشَّيء أدْرُجُه دَرْجاً ، وأدْرَجْتُه إدْرَاجاً إذا طويته ، ودَرَجَ القومُ قَرْناً بعد قرن ، أي : فنوا ، ومعناه : أنَّهم طووا عمرهم شيئاً فشيئاً ، والمدْرَجة : قَارِعَةُ الطَّريق ؛ لأنَّها تطوي منزلاً بعد منزل ، والدَّرجة : المنزلة من منازل الجنَّة ، ومنه الدَّرجة التي يرتقي فيها ، والدَّرجُ : ما يرتقي عليها ، والدَّرك ما يهوى فيها .

فصل

لما بيَّن أن المقصود من المراجعة إصلاح حالها ، لا إيصال الضَّرر إليها ، بيَّن أن لكلِّ واحدٍ من الزَّوجين حقّاً على الآخر .

روي عن ابن عبَّاس ، قال : إني لأَتَزَيَّن لامْرَأَتِي كما تَتَزَيَّن لي ؛ لقوله تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ{[3640]} } .

وقال بعضهم : يجب أن يقوم بحقِّها ومصالحها ، ويجب عليها الانقياد والطَّاعة له .

وقيل : لهنَّ على الزَّوج إرادةُ الإصلاح عند المراجعة ، وعليهنّ ترك الكتمان فيما خلق الله في أرحامهن ، وهذا أوفق لصدر الآية .

وأما درجة الرجل على المرأة فيحتمل وجهين :

الأول : أن الرَّجل أزيدُ في الفضيلة من النِّساء لأمور : في كمال العقل ، وفي الدِّية ، وفي الميراث ، وفي القيمة ، وفي صلاحية الإمامة{[3641]} ، والقضاء{[3642]} ، والشَّهادة ، وللزَّوج أن يتزوَّج عليها ويتسرَّى ، وليس لها ذلك مع الزَّوج ، والزوج قادر على طلاقها وعلى رجعتها شاءت أو أبت ، وليس لها ذلك .

الوجه الثاني : أن الزَّوج اختصَّ بأنواعٍ من الحقوق وهي التزام المهر والنَّفقة والذَّبُّ عنها ، والقيام بمصالحها ، ومنعها من مواقع الآفات ، فكان قيام المرأة بخدمة الرَّجل آكد وجوباً لهذه الحقوق الزَّائدة ؛ كما قال - تعالى - : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } [ النساء :34 ] ، قال - عليه الصَّلاة والسَّلام - : " لَوْ أَمَرْتُ أَحْداً بالسُّجُودِ لِغَيْرِ اللهِ ، لأَمَرْتُ المَرْأَةَ بالسُّجُودِ لِزَوْجِهَا{[3643]} " وإذا كان كذلك ، فالمرأة كالأسير العاجز في يد الرَّجُلِ ، ولهذا قال - عليه الصَّلاة والسَّلام - : " اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُم عَوَانٌ " {[3644]} ، وفي خبرٍ آخر : " اتَّقُوا الله في الضَّعِيفَيْن : اليتيمِ والمَرْأَةِ " {[3645]} .

ثم قال : { وَاللهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ } أي : غالبٌ لا يمنع ، مصيبٌ في أحكامه .


[3607]:- ينظر: الإملاء لأبي البقاء 1/95.
[3608]:- اختلف في المقدار الذي لا بد من بقائه بعد التخصيص على مذاهب: أحدها: أنه لا بد من بقاء جمع كثير، ونقله الرازي والآمدي عن أبي الحسين البصري، وصححه الرازي. وقال الآمدي: وبه قال أكثر أصحابنا، وإليه مال إمام الحرمين، ونقله ابن برهان عن المعتزلة. وقال الأصفهاني: ما نسبه الآمدي إلى الجمهور ليس بجيد، نعم اختاره الغزالي والرازي. واختلف في ذلك الكثير. فقال أكثرهم: لا بد أن يعرف من مدلول اللفظ العام قبل التخصيص. وقال البيضاوي: لا بد أن يكون غير محصور. وقال ابن برهان في "الأوسط": لم يحدوا الكثرة هنا؛ بل قالوا: تعرف بالقرائن، وأغرب بعضهم، فادعى أنه ليس المراد بالكثير هنا الكثير عددا؛ بل الكثير وقوعا، والغالب وجودا بحيث يقرب أنه مما خطر بالبال عند ذكر اعتبار لفظ العام. وقال آخرون: شرطه أن يكون الباقي معظم الأمر إما في الكثرة وإما في الاعتبار؛ أما في الكثرة فكما إذا قلت: كل إنسان مصاب، وكل محسن مشكور، فإنه وإن كان في الناس من لم يصب بمصيبة إلا أنه يحدث قائل ذلك، ويحسن أن لا يقدح في كلامه. وأما في الاعتبار فكما إذا قلت: خرج الناس كلهم للقاء الملك، فإن المراد من له اعتبار، وإن كان أكثر الناس لم يخرجوا. والثاني: أن العام إن كان ظاهرا مفردا كـ"مَنْ" و"الألف واللام" نحو: اقتل من في الدار، واقطع السارق، جاز التخصيص إلى أقل المراتب: وهو واحد، لأن الاسم يصلح لهما جميعا. وإن كان بلفظ الجمع كالمسلمين جاز إلى أقل الجمع، وذلك إما ثلاثة أو اثنان على الخلاف. قاله القفال الشاشي. كذا رأيته في كتابه في نسخة قديمة، واعتمده ابن الصباغ في "العدة" أيضا، فاضبط ذلك، فقد زل الناقلون عنه في هذه المسألة. فنقل ابن برهان في "الأوسط" عنه جواز الرد إلى الواحد مطلقا، ونقل القاضي أبو الطيب في "شرح الكافية" وابن السمعاني في "القواطع" عنه جواز الرد إلى ثلاثة، ولا يجوز إلى ما دونها إلا بما يجوز به النسخ، لكن ظاهر كلام القاضي أن "من، وما" محل وفاق. فإنه قال: لنا أن كل ما جاز تخصيصه إلى ثلاثة، جاز تخصيصه إلى ما دونها "كمن، وما" انتهى. وبذلك صرح الشيخ أبو إسحاق الإسفرايني، فقال: لا خلاف في جواز التخصيص إلى واحد فيما إذا لم تكن الصيغة جمعا، "كمن، وما، والمفرد المحلى بالألف واللام". وحكى القاضي عبد الوهاب عنه أنه ألحق أسماء الأجناس: كالسارق والسارقة، بالجمع المعرف في امتناع رده إلى الواحد كذلك؛ والفرق بين الصيغتين أن ألفاظ الجموع موضوعة للجميع، ففي التخصيص إلى الواحد إخراج عن الموضوع، ولا كذلك "من، وما، والمفرد المحلى بالألف واللام"، لتناولها الواحد والاثنين. قال الأصفهاني: وينبغي أن يلحق "أي" بمن، وما" قلت: وهو كذلك، لوجود العلة، وبه صرح إلِكيا الطبري. وقال بعض المتأخرين: ما أظن القَفَّال يقول به في كل تخصيص، فإنه لا يخالف في صحة استثناء الأكثر إلى الواحد، بل الظاهر قصر قوله على ما عدا الاستثناء من المخصصات، بدليل احتجاج بعض أصحابنا عليه بقول القائل: عليّ عشرة إلا تسعة، ويحتمل أن يعم الخلاف إلا أن الظاهر خلافه من المنقول عنه. والثالث: التفصيل بين أن يكون التخصيص بالاستثناء والبدل فيجوز إلى الواحد، وإلا فلا. حكاه ابن المطهر. والرابع: أنه لا يجوز رده إلى أقل الجمع مطلقا على حسب اختلافهم في أقل الجمع. حكاه ابن برهان وغيره. والخامس: أنه يجوز في جميع ألفاظ العموم ما بقي في قضية اللفظ واحد، وحكاه إمام الحرمين في "التلخيص" عن معظم أصحاب الشافعي. والسادس: الذي اختاره ابن الحاجب. قال الأصفهاني في "شرح المحصول": ولا نعرفه لغيره، أن التخصيص إن كان متصلا، فإن كان بالاستثناء أو البدل جاز إلى الواحد، نحو أكرم الناس إلا الجهال، وأكرم الناس تميما، فيجوز وإن لم يكن العالم إلا واحدا. وإن كان بالصفة والشرط، فيجوز إلى اثنين، نحو أكرم القوم الفضلاء، أو إذا كانوا فضلاء. وإن كان التخصيص بمنفصل، وكان في العام المحصور القليل، كقولك: قتلت كل زنديق، وكانوا ثلاثة، ولم يبق سوى اثنين، جاز إلى اثنين. وإن كان غير محصور أو محصورا جاز بشرط كون الباقي قريبا من مدلول العام. ينظر البحر المحيط 2/255-258.
[3609]:- شرع الله العدة لحكم كثيرة ومصالح جمة- منها: العلم ببراءة الرحم، وأن لا يجتمع ماء الواطئين فأكثر في رحم واحد، فتختلط الأنساب وتفسد، وفي ذلك ما تمنعه الشريعة الغراء-ومنها: إظهار شرف النكاح، وحرمة العقد وخطورته، وأنه ليس من الأمور التي يستهان بها، ويجعل ألعوبة بيد المرأة حتى يتسنى لها بمجرد أن تنحل عقدتها من الرجل أن تفترش لغيره من ساعته، بل لا بد من الانتظار والتربص وإظهار أثر النكاح بما يترتب عليه من العدة؛ إعلاما بأن هذا النكاح من ذوي الشأن والميزات من بين العقود، وما أجله من سر عند ذوي الأفهام الثاقبة، والقرائح المتوقدة. ومنها: قضاء حق الزوج وإظهار تأثير فقده في المنع من التزين والتجمل، ولذلك شرع الإحداد عليه أكثر من الإحداد على الوالد والولد. فلو لم يكن ثمة عدة وتزوجت بغيره فورا، لكان هذا من أعظم هضم لحقوق الزوج الذي طالما أمدها بنعمه وغرس في هيكل جسمها بذور نعمائه؛ فلذلك شرعت لرعاية حرمته، وحفظا لناموس كرامته. ومنها: تطويل زمان الرجعة للمطلق؛ لعله أن يتذكر فيندم ويتفكر طول عشرتها معه فيتألم ويشعر بخدمتها له، فيرجع إليها فيتهذب ويتعلم. ومنها: الأخذ بالأحوط لمصلحة الزوج والزوجة والقيام بشئون الولد؛ لعلها بعد تفرقها من بعلها وهي ذات ولد أن ترجع عنا يهجس بخاطرها من الغضب والغطرسة، فترجع إلى زوجها؛ لتربية ولدها في عز أبيه وصولة والده، فتكون قد أحسنت لنفسها ولزوجها وولدها، وأنعم بها حكمة وأكرم بها مصلحة.
[3610]:- ينظر: الرازي 6/75.
[3611]:- البيت لمالك بن الحارث: ينظر الهذليين 3/83، الطبري 4/511، الأضداد (28)، الدر المصون: 1/554.
[3612]:- ينظر شرح القصائد التسع للنحاس 621، واللسان (قرأ)، والدر المصون 1/554.
[3613]:- ينظر: الرازي 6/76.
[3614]:- ينظر: ديوانه (91)، والمحتسب 1/183، والهمع 2/141، والدرر 2/194، والكشاف مع شواهده 1/271، والدر المصون 1/555.
[3615]:- تقدم برقم 572.
[3616]:- انظر الشواذ 14، والمحرر الوجيز 1/304، والبحر المحيط 2/197، والدر المصون 1/555.
[3617]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 6/ 76.
[3618]:- أخرجه مالك في "الموطأ" (2/576) رقم (54) والبيهقي (7/ 415) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (1/489) وزاد نسبته للشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن عائشة رضي الله عنها. وأخرجه الطبري في "تفسيره" (4/ 506).
[3619]:- تقدم.
[3620]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 6/77.
[3621]:- ليس محل الخلاف ما هو المفهوم من لفظ الجمع لغة، فإن ج.م.ع. بموضوعها يقتضي ضم شيء إلى مثله وذلك حاصل في الاثنين والثلاثة بلا خلاف، وكذلك أيضا ليس محل الخلاف عند المحققين تعبير الاثنين عن أنفسهما بضمير الجمع، (فإنهما يقولان) فعلنا، وقلنا؛ لأن العرب لم تضع للمتكلم ضمير التثنية كما وضعته للمخاطب والغائب فليس للاثنين إذا عبرا عن أنفسهما إلا الإتيان بضمير الجمع وذكر إمام الحرمين أيضا أن الخلاف ليس في مثل قوله تعالى: {فقد صغت قلوبكما} وقول القائل ضربت رؤوس الرجلين ووطئت بطونهما، وفيه نظر يأتي التنبيه عليه إن شاء الله تعالى. فالخلاف إنما هو في صيغ الجموع سواء أكانت جمع سلامة أو جمع تكسير، وفي عود الضمير البارز بصيغة الجمع أيضا. وللعلماء في ذلك قولان مشهوران: أحدهما: "أن أقل الجمع اثنان" رواه الحاكم في مستدركه عن زيد بن ثابت-رضي الله عنه- أنه كان يقول: الإخوة في كلام العرب أخوان فصاعدا. وروى نحوه عن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- أيضا، والظاهر أنهما ما أرادا إلا بطريق الحقيقة وإلى هذا ذهب جماعة، منهم: داود الظاهري والقاضي أبو بكر ابن الباقلاني، والأستاذ أبو إسحاق والإمام الغزالي، وطائفة من الشافعية وحكاه القاضي أبو بكر عن مذهب مالك وأخذ ابن خويز منداد من قوله في حجب الأم إلى السدس بأخوين، وهو قول عبد الملك بن الماجشون وأبي الحسن اللخمي من المالكية، ونسبه بعضهم إلى الخليل وسيبويه؛ لأن سيبويه قال: سألت الخليل عن قولهم ما أحسن وجوههما فقال: اثنان جمع، وعزاه بعضهم إلى عثمان –رضي الله عنه-، وليس كذلك، بل مقتضى النقل الموافقة على أن أقله ثلاثة وهذا هو القول الثاني؛ ففي كتاب المستدرك للحاكم وغيره بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه دخل على عثمان رضي الله عنه فقال: إن الأخوين لا يردان الأم عن الثلث قال الله تعالى: {فإن كان له إخوة} والأخوان بلسان قومك ليسا بإخوة فقال عثمان-رضي الله عنه-: لا أستطيع أن أراد ما كان قبلي وتوارث به الناس ومضى في الأمصار، فمقتضى هذا أن عثمان وافق على أن أقل الجمع ثلاثة بطريق الحقيقة، وقد ذكر إمام الحرمين وغيره أن هذا أيضا مقتضى قول ابن مسعود-رضي الله عنه-؛ أخذا لذلك من قوله: إن الاثنين يقفان عن يمين الإمام وشماله وإذا كانوا ثلاثة اصطفوا خلفه، وفي ذلك نظر، لأن ابن مسعود عنده أن الجماعة تحصل بالإمام والمأموم فقط، وإنما مأخذه في وقوف الاثنين والثلاثة رؤية ذلك عن النبي-صلى الله عليه وسلم- ولم يبلغه خلافه. وأيضا فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن الاثنين يردان الأم من الثلث إلى السدس، فنسبه القول الأول إليه من هذا أقرب من نسبة القول الثاني أخذا من مسألة المأمومين. قال إمام الحرمين ومذهب الإمام الشافعي-(رضي الله عنه)- في مواضع تعرضه للأصول يشير إلى هذا، يعني: أن أقل الجمع ثلاثة، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه وجماعة المعتزلة، والأكثرين من أصحاب الشافعي-رحمهم الله، قلت: وذكر القاضي عبد الوهاب: أنه مذهب مالك وجمهور أصحابه وأخذه المازري من قول مالك فيمن أقر بدارهم أنه يلزمه ثلاثة، وهو اختيار أبي بكر ابن فورك وغيره من الأشعرية. ثم اختلف هؤلاء في صحة إطلاقه على اثنين على وجه المجاز، فقال قوم: لا يصح ذلك أصلا، وقال المحققون: إنه يجوز التجوز به عن اثنين فقط، وهو اختيار إمام الحرمين وابن الخطيب وأتباعه وابن الحاجب، وتوقف الآمدي في ذلك على قاعدته، ورأى إمام الحرمين أيضا أنه يصح التجوز به عن الواحد، لا من حيث أصل الاستعمال، بل من جهة الانتهاء في تخصيص العام إلى واحد، كما سيأتي بيانه في فوائد المسألة إن شاء الله تعالى. ومذهب الحنابلة أيضا: أنه حقيقة في الثلاثة مجاز إن أريد به الاثنان؛ كقول الشافعي وأبي حنيفة (رضي الله عنهما).
[3622]:- أخرجه أبو داود (2189) والترمذي (1/222) وابن ماجه (2080) والحاكم (2/205). وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث مظاهر ولا نعرف له غير هذا الحديث وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وأخرجه الدارقطني (4/39) والبيهقي (7/369-370، 426) عن عائشة بلفظ: طلاق العبد اثنتان... وأخرجه الدارقطني (4/39) عن عائشة بلفظ: طلاق الأمة اثنتان وقرؤها حيضتان.
[3623]:- ذكره العجلوني في "كشف الخفا" (2/254) وقال: قال ابن السبكي في "الأشباه والنظائر" نقلا عن البيهقي: رواه جابر الجعفي عن ابن مسعود وفيه ضعف وانقطاع وقال الزين العراقي في تخريج منهاج الأصول: لا أصل له وأدرجه ابن مفلح في أول كتابه في الأصول فيما لا أصل له.
[3624]:- أخرجه النسائي (2/234) والترمذي (2/84) والحاكم (4/99) والطيالسي (1178) وأحمد (1/200) وأبو نعيم في "الحلية" (8/264) عن الحسن بن علي وزادوا إلا النسائي فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح وسكت عنه الحاكم وقال الذهبي سنده قوي. وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (6/352) وفي "أخبار أصبهان" (2/243) والخطيب في "تاريخ بغداد" (2/220، 286) وقالا: غريب تفرد به عبد الله بن أبي رومان.
[3625]:- ينظر: الإملاء لأبي البقاء1/95.
[3626]:- ينظر: المحرر الوجيز 1/305، والبحر المحيط 2/198، والدر المصون 1/555.
[3627]:- ينظر: تفسير القرطبي 3/79.
[3628]:- أخرجه الطبري في "تفسيره" (4/521) عن قتادة وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (1/492) وزاد نسبته لابن المنذر وعبد الرزاق.
[3629]:- أخرجه الطبري في "تفسيره" (4/516-517) عن مجاهد وابن عمر بمعناه. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (1/492) وعزاه لسعيد بن منصور والبيهقي عن عكرمة.
[3630]:- انظر الشواذ 14، والبحر المحيط 2/199.
[3631]:- مسلمة بن محارب بن دثار ينظر غاية النهاية 2/ 298.
[3632]:- ستأتي في الزخرف 80.
[3633]:- تقدم.
[3634]:- ينظر: الإملاء 1/96.
[3635]:- ينظر: تفسير البغوي 1/205.
[3636]:- ينظر: تفسير القرطبي 3/80.
[3637]:- أخرجه البخاري (1/15) كتاب بدء الوحي: باب كيف كان بدء الوحي حديث (1)، (5/190) كتاب العتق: باب الخطأ والنسيان (2529)، (7/267) كتاب مناقب الأنصار حديث (3797). ومسلم (3/1515) كتاب الإمارة: باب بيان قدر ثواب من غزا فغنم حديث (155/1907) من حديث عمر.
[3638]:- ينظر: تفسير القرطبي 3/80.
[3639]:- ينظر: الإملاء لأبي البقاء 1/96.
[3640]:- أخرجه الطبري في "تفسيره" (4/532) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (1/493) وزاد نسبته لوكيع وسفيان بن عيينة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس موقوفا.
[3641]:- عرفها كثير من علماء الشريعة الإسلامية بتعريفات ترجع إلى معنى واحد: وهو رياسة الحكومة الإسلامية الجامعة لمصالح الدين والدنيا. قال السعد في "متن المقاصد": (الفصل الرابع في الإمامة، وهي رياسة عامة في أمر الدين والدنيا خلافة عن النبي-صلى الله عليه وسلم-). وقال البيضاوي في "طوالع الأنوار". (الإمامة عبارة عن خلافة شخص من الأشخاص للرسول - عليه السلام- في إقامة القوانين الشرعية، وحفظ حوزة الملة على وجه يجب اتباعه على كافة الأمة). وقال أبو الحسن الماوردي في "الأحكام السلطانية": (الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا). وقد زاد الإمام الرازي قيدا آخر في التعريف؛ فقال: (هي رياسة عامة في الدين والدنيا لشخص واحد من الأشخاص). وقال: هو احتراز عن كل الأمة إذا عزلوا الإمام لفسقه. وترادف الخلافة، الإمامة العظمى، وإمارة المؤمنين فهي ثلاث كلمات متحدة المعنى في لسان الشرعيين، والقائم بهذه الوظيفة يسمى خليفة، وإماما، وأمير المؤمنين.
[3642]:- القضاء له في اللغة معان كثيرة ترجع كلها إلى انقضاء الشيء وتمامه. فمن تلك المعاني: الأمر نحو قوله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه}. أي: أمر بذلك، ولا يصح أن يكون معنى قضى هنا حكم أي قدر وعلم. وإلا لما تخلف أحد عن عبادته؛ لأن ما قدره تعالى وعلمه لا يتخلف. ومنها الأداء نحو قضيت الدين أي أديته. ومنها الفراغ نحو قضى فلان الأمر أي فرغ منه. ومنها: الفعل نحو قوله تعالى: {فاقض ما أنت قاض}. أي افعل ما تريده. ومنها: الإرادة نحو: فإذا قضى الله أمرا. ومنها الموت نحو قضى نحبه. ومنها: المعلم نحو قضيت إليك بكذا أي: أعلمتك به. ومنه قوله تعالى: {وقضينا إليه ذلك الأمر} ومن هنا صح تسمية المفتي والقاضي قاضيا؛ لأنهما معلمان بالحكم. ومنها: الفصل نحو: قضى بينهم بالحق ومنها الخلق نحو قوله تعالى: (فقضاهن سبع سموات). أي: خلقهن. ومنها الحكم نحو: قضيت عليك بكذا أي: حكمت عليك به. وهذا المعنى الأخير متلائم مع المعنى الاصطلاحي الذي سنذكره، فالقضاء في اللغة مشترك لفظي بين تلك المعاني السابقة، ومن يتأمل يدرك أن هذه المعاني متقاربة بعضها إلى الآخر، ويجمعها كلها انقضاء الشيء وتمامه كما تقدم. أما معناه في اصطلاح الشرعيين: فقد اختلفت فيه عبارات المؤلفين؛ لاختلاف أنظاهرهم ومقاصدهم: فبعضهم نظر إلى كونه صفة يتصف بها القاضي فعرفه على أنه صفة، وبعضهم نظر إلى المعنى المصدري الذي يحصل من القاضي بين الخصوم؛ فعرفه على أنه فعل القاضي. ثم من نظروا إلى المعنى الأول منهم من اكتفى في تعريفه بما يصور الحقيقة تصويرا إجماليا، فلم يأت بعبارة مانعة جامعة، ومنهم من جاء بعبارة جامعة مانعة، وكذلك من نظروا إلى المعنى الثاني، ومن المعلوم أن المعنيين متلازمات فالصفة لا يتحقق مقتضاها بدون المعنى المصدري، والمعنى المصدري لا يتحقق إلا إذا وجدت هذه الصفة، وعلى هذا فمن عرف المعنى المصدري يسهل عليه جدا معرفة الصفة الحكمية التي يتصف بها من يصدر منه ذلك المعنى، ومن عرف الصفة التي ينشأ عنها ذلك المعنى لم يخف عليه الفعل الناشئ عنها، فلا غضاضة على واحد من الطرفين في سلوكه المسلك الذي اختاره؛ لأن كلا منهما موصل لمعرفة القضاء. والقضاء هو –على ما قال ابن عرفة- صفة حكمية توجب لموصوفها نفوذ حكمه الشرعي، ولو بتعديل أو تجريح لا في عموم مصالح المسلمين. ينظر: تاج العروس 10/296، المصباح المنير 2/ 781، حاشية الباجوري 2/355، الدرر 2/404، حاشية الخرشي 7/138، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/129، الفقهاء ص (228)، كشاف القناع 6/285.
[3643]:- أخرجه الترمذي (1/217) وابن حبان (1201) والبيهقي (917) وفيه قصة وأخرجه الحاكم (4/171-172) دون ذكر القصة عن أبي هريرة مرفوعا. وقال الترمذي: حسن غريب. وأخرجه الحاكم من طريق آخر (4/172) عن أبي هريرة أيضا. وقال: صحيح الإسناد. وتعقبه الذهبي فقال: سليمان ضعفوه. وله شاهد من حديث أنس بلفظ: لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها. أخرجه أحمد (3/158) والبزار (2454-كشف) وذكره الهيثمي في "المجمع" (9/4) وقال: ورجاله رجال الصحيح غير حفص ابن أخي أنس وهو ثقة. وللحديث شاهد آخر عن عبد الله بن أبي أوفى: أخرجه ابن ماجه (1853) وابن حبان (1290) والبيهقي (7/292). وشاهد آخر عن قيس بن سعد: أخرجه أبو داود (2140) والحاكم (2/187) والبيهقي (7/291) وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
[3644]:أخرجه الترمذي (1/218) وابن ماجه (1851) عن عمرو بن الأحوص وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
[3645]:- أخرجه الطبري في "تفسيره" (4/164) وذكره المتقي الهندي في "كنز العمال" (7/277-278) رقم (18864) وعزاه للبيهقي في شعب الإيمان عن أنس. وأخرجه ابن عساكر كما في "كنز العمال" (25004) عن ابن عمر بلفظ: اتقوا الله في الضعيفين المملوك والمرأة.