فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (229)

{ فإمساك } فإرجاع إلى الزوجية . { تسريح } إخلاء سبيل وتطليق .

{ مما آتيتموهن } مما أعطيتموهن من الأصدقة والمهور .

{ إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله } يرى الزوجان عجزهما أو أحدهما عن رعاية الحقوق الزوجية التي شرع الله .

{ لا جناح عليهما فيما افتدت } لا إثم على الزوج فيما يقبض ولا عليها فيما تبذل لحل روابط عشرة فيها أذى .

{ تعتدوها } تتجاوزوها .

{ الطلاق{[705]} مرتان } التطليق الرجعي يملكه الرجل مرتين عن عروة بن الزبير رضي الله تعالى عنهما قال : كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك وإن طلقها ألف مرة فعمد رجل إلى امرأته فطلقها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها ارتجعها ثم قال : لا والله لا آويك إلي ولا تحلين أبدا فأنزل الله { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أوتسريح بإحسان } فاستقبل الناس الطلاق جديدا من ذلك ، من كان طلق أو لم يطلق{[706]} ، وعن ابن عباس : إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق الله في ذلك أي في الثالثة فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها أو يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئا ؛ { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا } – أي لا يحل لكم أن تضاجروهن وتضيقوا عليهن ليفتدين منكم بما أعطيتموهن من الأصدقة أو ببعضه كما قال تعالى { . . ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة . . . }{[707]} ، فأما إن وهبته المرأة شيئا عن طيب نفس منها فقد قال تعالى { . . . فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا }{[708]}وأما إذا تشاقق الزوجان ولم تقم المرأة بحقوق الرجل وأبغضته ولم تقدر على معاشرته فلها أن تفتدي منه بما أعطاها ولا حرج عليها في بذلها له ولا حرج عليه في قبول ذلك منها ولهذا قال تعالى { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } الآية ، فأما إذا لم يكن لها عذر وسألت الافتداء منه فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أيما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة }{[709]} . ثم قد قال طائفة كثيرة من السلف وأئمة الخلف إنه لا يجوز الخلع إلا أن يكون الشقاق والنشوز من جانب المرأة فيجوز للرجل حينئذ قبول الفدية بطريق الأولى والأحرى -{[710]} . روى البخاري عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ، ما أعيب عليه في خلق ولا دين ولكن أكره الكفر في الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أتردين عليه حديقته ) قالت نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ) ؛ { تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون } شرائع المولى الحكيم التي شرعها حدود الله تمنع من الاجتراء على الفواحش فلا تتجاوزوها ، صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله حد حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تضيعوها وحرم محارم فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تسألوا عنها ) ، يبين المولى لكم فصول ما بين حلاله وحرامه وأمره ونهيه ؛ ومن يقتحم ما أحل ربنا إلى ما حرم فهو ظالم والظلم وصف قبيح من اتصف به بخس نفسه حقها وجار عن القصد فبغى على غيره واستوجب نقمة العزيز سبحانه فشقى في عاجله وساءت عاقبة أمره وفيه معنى التحذير والوعيد .


[705]:{الطلاق} أعربه البعض بأنه مبتدأ بتقدير مضاف أي عدد الطلاق مرتان.
[706]:أخرجه الموطأ في الطلاق قال علماء السنة وإسناده صحيح.
[707]:سورة النساء من الآية 19.
[708]:سورة النساء من الآية 4
[709]:رواه أحمد وأبو داود وغيرهما.
[710]:نقل هذا عن صاحب تفسير القرآن لعظيم.