فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقۡسِمُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيۡرَ سَاعَةٖۚ كَذَٰلِكَ كَانُواْ يُؤۡفَكُونَ} (55)

{ تقوم } تمثل ، وتأتي ، وتجيء .

{ يقسم } يحلف .

{ الساعة } القيامة ، لأن من أحوالها قيام الموتى من قبورهم .

{ المجرمون } المرتكبون الجرم العظيم .

{ يؤفكون } يصرفون عن الحق ، ويصدون عن الصدق ، ويستديمون الكذب .

{ ويوم تقوم الساعة يقسم- المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون55 وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون 56 فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون57 } .

يوم القيامة يحلف الكافرون الظالمون أنهم ما أقاموا في الدنيا إلا ساعة ، يتكشف عنهم غطاء الغفلة والغرور ، فيدركون أن زخرف الحياة باطل ، وزينتها ليست إلا حطاما ، ومتاعها قليل سرعان ما ينقضي ، والكثير الذي لا ينفع قليل ، وذهب بعض المفسرين إلى أن المجرمين يحلفون ما لبثوا في قبورهم غير ساعة ، كأنهم بالموت انكشف عنهم حجاب الجهالة والضلال ، وعلموا سوء منقلبهم والمآل ، فهم يتمنون طول الأمد حتى لا يساقوا إلى أليم العذاب والنكال ، { كذلك كانوا يؤفكون } كذلك الفزع والندم كانوا يصرفون عن الحق في حياتهم الدنيا ، ويصدون عن اليقين في الله العظيم ولقائه وحسابه وجزائه ، [ وقيل : يعنون ما لبثوا بين فناء الدنيا والبعث وهو ما بين النفختين ، وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما بين النفختين أربعون " قيل : أربعون يوما يا أبا هريرة قال : أبيت ، قيل : أربعون شهرا ؟ قال : أبيت ، قيل أربعون سنة ؟ قال : أبيت ، وعنى بقوله رضي الله تعالى عنه : أبيت : أمتنع عن بيان ذلك لكم ، أو أبيت أن أسأل النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك ، والغرض من سوق الآية الإغراق في وصف المجرمين بالتمادي في التكذيب . . . والغرض أن يحقر عندهم ما فيه من التمتعات وزخارف الدنيا كي يقلعوا عن العناد ، ويرجعوا إلى سبيل الرشاد . . . والصارف لهم هو الله أو الشيطان أو الهوى ، وأيا ما كان فليس ذلك إلا لسوء اختيارهم ، وخباثة استعدادهم . ]{[3392]} ، مما جاء في الجامع لأحكام القرآن : والقول الآخر أنهم يعنون في الدنيا لزوالها وانقطاعها ، كما قال تعالى : )كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها( {[3393]} كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار ، وإن كانوا قد أقسموا على غيب وعلى غير ما يدرون . . وقد زعم جماعة من أهل النظر أن القيامة لا يجوز أن يكون فيها كذب لما هم فيه ، والقرآن يدل على غير ذلك . . . قال الله جل وعز : )يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون( {[3394]} وقال : ( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين . انظر كيف كذبوا( {[3395]} . اه


[3392]:ما بين العارضتين مما أورد الألوسي.
[3393]:سورة النازعات. الآية 46.
[3394]:سورة المجادلة. الآية 18.
[3395]:سورة الأنعام. الآية 23، ومن الآية 24.