الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَإِنۡ ءَامَنُواْ بِمِثۡلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِۦ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا هُمۡ فِي شِقَاقٖۖ فَسَيَكۡفِيكَهُمُ ٱللَّهُۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (137)

{ بِمِثْلِ مَا ءامَنتُمْ بِهِ } من باب التبكيت ، لأن دين الحق واحد لا مثل له وهو دين الإسلام { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ } [ آل عمران : 185 ] فلا يوجد إذاً دين آخر يماثل دين الإسلام في كونه حقاً ، حتى إن آمنوا بذلك الدين المماثل له كانوا مهتدين ، فقيل : فإن آمنوا بكلمة الشك على سبيل الفرض والتقدير ، أي : فإن حصلوا ديناً آخر مثل دينكم مساوياً له في الصحة والسداد فقد اهتدوا . وفيه أنّ دينهم الذي هم عليه وكل دين سواه مغاير له غير مماثل ، لأنه حق وهدى وما سواه باطل وضلال . ونحو هذا قولك للرجل الذي تشير عليه : هذا هو الرأي الصواب ، فإن كان عندك رأي أصوب منه فاعمل به ، وقد علمت أن لا أصوب من رأيك . ولكنك تريد تبكيت صاحبك ، وتوقيفه على أن ما رأيت لا رأي وراءه . ويجوز أن لا تكون الباء صلة وتكون باء الاستعانة ، كقولك : كتبت بالقلم ، وعملت بالقدوم أي فإن دخلوا في الإيمان بشهادة مثل شهادتكم التي آمنتم بها . وقرأ ابن عباس وابن مسعود : «بما آمنتم به » وقرأ أبيّ : «بالذي آمنتم به » { وَّإِنْ تَوَلَّوْاْ } عما تقولون لهم ولم ينصفوا فما هم إلا { فِى شِقَاقٍ } أي في مناوأة ومعاندة لا غير ، وليسوا من طلب الحق في شيء . أو : وإن تولوا عن الشهادة والدخول في الإيمان بها { فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله } ضمان من الله لإظهار رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ، وقد أنجز وعده بقتل قريظة وسبيهم وإجلاء بني النضير . ومعنى السين أنّ ذلك كائن لا محالة وإن تأخر إلى حين { وَهُوَ السميع العليم } وعيد لهم ، أي يسمع ما ينطقون به ، ويعلم ما يضمرون من الحسد والغل وهو معاقبهم عليه . أو وعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمعنى : يسمع ما تدعو به ويعلم نيتك وما تريده من إظهار دين الحق ، وهو مستجيب لك وموصلك إلى مرادك .