نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَإِنۡ ءَامَنُواْ بِمِثۡلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِۦ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا هُمۡ فِي شِقَاقٖۖ فَسَيَكۡفِيكَهُمُ ٱللَّهُۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (137)

ولما قدم تعالى ما أمرهم به وكان عين الهدى تسبب عنه قوله معبراً{[5230]} {[5231]}بأداة الشك إشارة إلى أن إيمانهم لما لهم من الكثافة والغلظة والجلافة في غاية البعد{[5232]} : { فإن آمنوا } أي أهل الكتاب الذين أرادوا أن يستتبعوكم { بمثل } أي بنفس وحقيقة { ما آمنتم{[5233]} به } كما يأتي بيانه في { ليس كمثله شيء{[5234]} }[ الشورى : 11 ] من الشورى ، فكانوا تبعاً لكم { فقد اهتدوا } عكس ما قالوا{[5235]} مثلنا تهتدوا ، وعبر بفعل المطاوعة لكون الإيمان مع ظهوره بظهور دلائله موافقاً للفطرة الأولى ، وأما الكفر فإنه لما كان لأجل ظهور الإيمان وانطباعه في الجنان بعيداً عن المزاج لا يكون إلا بنوع من العلاج بين الهوى والعقل وكان لا يكون إلا بعد الإعراض عن الإيمان وغيبته عن العيان عبر عن ارتكابه بما يشعر بذلك بصيغة التفعل فقال : { وإن تولوا } قال الحرالي : فيه إشعار بإيمان مؤمن منهم وتولي متول منهم ، لأن الله تعالى إذا صنف الخطاب كان نبأ عن تصنيف الكيان ، فهو تعالى لا يخرج نبأه على غير كائن فيكون نبأ لا كون له ، إنما ذلك أدنى أوصاف بعض الخلق { فإنما هم في شقاق }{[5236]} أي يريدون أن يكونوا في شق غير شقكم ، لأنهم يعلمون أن الهدى ليس في شيء{[5237]} غيره كما اقتضته " إنما " .

ولما كان اللازم لمشاقّتهم{[5238]} على هذا الحال المكايدة والمحاربة وكان ذلك على وجه العناد لم يكل سبحانه كفاية أوليائه إلى غيره فسبب ذلك قوله : { فسيكفيكهم الله }{[5239]} ؛ أي بوعد لا خلف فيه أصلاً وإن تأخر{[5240]} شيئاً من تأخر بما له من قدرة وغيرها من صفات الكمال التي أفهمها الاسم الشريف ، والكفاية إغناء المقاوم عن مقاومة عدوه بما لا يحوجه إلى دفع له - قاله الحرالي . ولما كان المناوىء لشخص إما أن يكيده بقوله أو بفعله وكان الفعل مسبوقاً بالارتسام{[5241]} في الضمير وكان الكافي{[5242]} لشخص إنما يتوقف{[5243]} كفايته على العلم بما يصلحه{[5244]} قال : { وهو السميع } أي لما يقول أعداؤكم { العليم{[5245]} } بما يضمرون{[5246]} فهو يسبب لكل قول وضمير منهم ما يرد ضرره عليه ، فحظكم منهم مقصور على أذى في القول وسوء في وُدّ في الضمير ، وحظهم منكم قهرهم وسبيهم والاستيلاء على ديارهم وأموالهم .


[5230]:في م: خبرا، وليس في ظ
[5231]:ليست في ظ
[5232]:ليست في ظ
[5233]:وقع في مد: أنتم - مصحفا
[5234]:سورة 42 آية 11
[5235]:في م: قالونه – كذا.
[5236]:قال أبو حيان الأندلسي: أكد الجملة الواقعة شرطا بأن وتأكد معنى الخبر بحيث صار ظرفا لهم وهم مظروفون له، فالشقاق مستول عليهم من جميع جوانبهم ومحيط بهم إحاطة البيت بمن فيه، وهذه مبالغة في الشقاق الحاصل لهم بالتولي، وهذا كقوله {إنا لنراك في ضلال مبين} {إنا لنراك في سفاهة} وأبلغ من قولك: زيد مشاق لعمر وزيد ضال وبكر سفيه –البحر المحيط 1/ 710.
[5237]:من م ومد و ظ، وفي الأصل: شق
[5238]:في الأصول: لمشاققتهم- كذا
[5239]:ليست في ظ
[5240]:ليست في ظ
[5241]:في م: ارتسال
[5242]:في م: المكافئ
[5243]:في م و ظ ومد: تتوقف
[5244]:في ظ: تصلحه
[5245]:مناسبة هاتين الصفتين أن كلا من الإيمان وضده مشتمل على أقوال وأفعال وعلى عقائد ينشأ عنها تلك الأقوال والأفعال فناسب أن يختتم ذلك بهما أي وهو السميع لأقوالكم العليم بنياتكم واعتقادكم، ولما كانت الأقوال هي الظاهرة لنا الدالة على ما في الباطن قدمت صفة السميع على العليم ولأن العليم فاصلة أيضا –البحر المحيط 1/ 411
[5246]:في م: يضمرونه