فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَإِنۡ ءَامَنُواْ بِمِثۡلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِۦ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا هُمۡ فِي شِقَاقٖۖ فَسَيَكۡفِيكَهُمُ ٱللَّهُۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (137)

وقوله : { فَإِنْ ءَامَنُوا بِمِثْلِ مَا ءامَنتُمْ بِهِ } هذا الخطاب للمسلمين أيضاً : أي فإن آمن أهل الكتاب ، وغيرهم بمثل ما آمنتم به من جميع كتب الله ورسله ، ولم يفرّقوا بين أحد منهم ، فقد اهتدوا ، وعلى هذا ، فمثل زائدة كقوله :

{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء } [ الشورى : 11 ] وقول الشاعر :

فصيروا مثل كعصف مأكول *** . . .

وقيل : إن المماثلة وقعت بين الإيمانين ، أي : فإن آمنوا بمثل إيمانكم . وقال في الكشاف : إنه من باب التبكيت ؛ لأن دين الحق واحد لا مثل له ، وهو دين الإسلام ، قال : أي فإن حصلوا ديناً آخر مثل دينكم مساوياً له في الصحة ، والسداد ، فقد اهتدوا ، وقيل : إن الباء زائدة مؤكدة . وقيل إنها للاستعانة . والشقاق أصله من الشق ، وهو الجانب ، كأنّ كل واحد من الفريقين في جانب غير الجانب الذي فيه الآخر . وقيل : إنه مأخوذ من فعل ما يشقّ ويصعب ، فكل واحد من الفريقين يحرص على فعل ما يشق على صاحبه ، ويصح حمل الآية على كل واحد من المعنيين ، وكذلك قول الشاعر :

وإلا فَاعْلَمُوا أنا وَأنتُمْ *** بُغاةٌ ما بقينا في شِقَاقِ

وقوله الآخر :

إلى كَمْ تَقتُل العُلَماءَ قَسْراً *** وتَفخَرُ بِالشِقَاقِ وَبالِنفَاقِ

وقوله : { فسيكفيهم الله } وعد من الله تعالى لنبيه أنه سيكفيه من عانده ، وخالفه من المتولِّين ، وقد أنجز له وعده بما أنزله من بأسه بقريظة ، والنضير ، وبني قينقاع .

/خ141