السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَإِنۡ ءَامَنُواْ بِمِثۡلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِۦ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا هُمۡ فِي شِقَاقٖۖ فَسَيَكۡفِيكَهُمُ ٱللَّهُۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (137)

وقوله تعالى : { فإن آمنوا } أي : اليهود والنصارى { بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا } من باب التعجيز والتبكيت كقوله تعالى : { فأتوا بسورة من مثله } ( البقرة ، 23 ) لأنّ دين الحق واحد لا مثل له وهو دين الإسلام قال تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه } ( آل عمران ، 85 ) وأمّا أن مثل صلة أي : آمنوا بما آمنتم به كقوله تعالى : { ليس كمثله شيء } ( الشورى ، 11 ) أي : ليس كهو شيء وكما في قوله تعالى : { وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله } ( الأحقاف ، 10 ) أي : عليه وقيل : الباء صلة كما في قوله تعالى : { وهزي إليك بجذع النخلة } ( مريم ، 25 ) وقيل : معناه فإن آمنوا بكتابكم كما آمنتم بكتابهم فقد اهتدوا .

{ وإن تولوا } أي : أعرضوا عن الإيمان به { فإنما هم في شقاق } أي : في خلاف ومنازعه معكم يقال شاق مشاقة إذا خالف كان كل واحد من المتخالفين يحرص على كل ما يشق على صاحبه { فسيكفيكم الله } يا محمد شقاقهم في ذلك تسلية وتسكين للمؤمنين ووعد لهم بالحفظ والنصر على من عاداهم وقد كفاه إياهم بقتل بني قريظة ونفي بني النضير وضرب الجزية على اليهود والنصارى وقوله تعالى : { وهو السميع العليم } إما من تمام الوعد بمعنى أنه يسمع أقوالكم ويعلم إخلاصكم وهو مجازيكم لا محالة ، وإمّا وعيد للمعرضين بمعنى أنه يسمع ما يبدون ويعلم ما يخفون وهو معاقبهم عليه ولا مانع من حمل الكلام على الوعد والوعيد معاً .