الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ وَأَحۡسِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (195)

الباء في { بِأَيْدِيكُمْ } مزيدة مثلها في أعطى بيده للمنقاد . والمعنى : ولا تقبضوا التهلكة بأيديكم ، أي لا تجعلوها آخذة بأيديكم مالكة لكم . وقيل : ( بأيديكم ) بأنفسكم : وقيل تقديره : ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم ، كما يقال : أهلك فلان نفسه بيده ، إذا تسبب لهلاكها . والمعنى : النهي عن ترك الإنفاق في سبيل الله لأنه سبب الهلاك ، أو عن الإسراف في النفقة حتى يفقر نفسه ويضيع عياله . أو عن الاستقتال والإخطار بالنفس ، أو عن ترك الغزو الذي هو تقوية للعدوّ . وروي :

أن رجلاً من المهاجرين حمل على صف العدوّ فصاح به الناس : ألقى بيده إلى التهلكة . فقال أبو أيوب الأنصاري : نحن أعلم بهذه الآية ، وإنما أنزلت فينا ، صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصرناه . وشهدنا معه المشاهد ، وآثرناه على أهالينا وأموالنا وأولادنا ، فلما فشا الإسلام وكثر أهله ووضعت الحرب أوزارها ، رجعنا إلى أهالينا وأولادنا وأموالنا نصلحها ونقيم فيها . فكانت التهلكة الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد . وحكى أبو علي في ( الحلبيات ) عن أبي عبيدة ، التهلكة والهلاك والهلك واحد . قال : فدلّ هذا من قول أبي عبيدة على أن التهلكة مصدر . ومثله ما حكاه سيبويه من قولهم التضرة والتسرة ونحوها في الأعيان : التنضبة والتنفلة . ويجوز أن يقال : أصلها التهلكة كالتجربة والتبصرة ونحوهما ، على أنها مصدر من هلك فأبدلت من الكسرة ضمة ، كما جاء الجوار في الجوار .