الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ وَأَحۡسِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (195)

قوله : ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تَلْقُوا بِأَيْدِيكُمُ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) [ 194 ] .

قال النبي [ عليه السلام ]( {[6233]} ) : مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً( {[6234]} ) فِي سَبِيلِ الله كُتِبَتْ لَهُ بِسَبْعِمائة( {[6235]} ) ضِعْفٍ( {[6236]} ) " ( {[6237]} ) .

و " إِلَى " متعلقة ب( تُلْقُوا ) . والباء متعلقة بالمصدر عند المبرد( {[6238]} ) ، وهي زائدة( {[6239]} ) عند الأخفش( {[6240]} ) .

والتهلكة : الهلاك . حضّ الله المسلمين على النفقة في سبيله والجهاد لئلا يقوى العدو ، فتصير عاقبة أمرهم إلى الهلاك .

والتهلكة عند سفيان( {[6241]} ) : ترك النفقة في سبيل الله عز وجل( {[6242]} ) .

وقال ابن عباس : " التهلكة الإمساك عن النفقة في سبيل الله تعالى " ( {[6243]} ) وقال ابن زيد وغيره : " معناه : لا تخرجوا إلى الغزو بغير نفقة ، أمروا( {[6244]} ) أن ينفقوا في سبيل الله وأن لا يخرجوا بغير نفقة ، فيهلكوا أنفسهم " ( {[6245]} ) .

وقال زيد بن أسلم : " كان رجال يخرجون إلى البعوث( {[6246]} ) بغير نفقة ، فإما أن يقطع بهم ، وإما أن يكونوا عالة على الناس ، فأمروا ألا يخرجوا على تلك الحال " ( {[6247]} ) .

وقال البراء بن عازب : " ( وَلاَ تَلْقُوا( {[6248]} ) بِأَيْدِيكُمُ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) : هو الرجل يصيب الذَّنْبَ فيلقي بيده إلى التهلكة ، يقول : " لا توبة لي " . فأمروا ألا ييأسوا من رحمة الله عز وجل " ( {[6249]} ) .

وقال أبو قلابة( {[6250]} ) : هو الرجل يصيب الذنوب ، فيقول : " لا توبة لي " ، فينهمك في المعاصي ، [ فأمر/ألا ييأس ] ( {[6251]} ) من رحمة الله سبحانه " ( {[6252]} ) . وقال أبو أيوب الأنصاري( {[6253]} ) : " فينا( {[6254]} ) نزلت هذه الآية ، وذلك أنا( {[6255]} )عشر الأنصار لما أعز الله دينه قلنا سراً : إن أموالنا قد ضاعت ، فلو أقمنا فيها نصلحها " . فأنزل الله عز وجل يرد علينا ما( {[6256]} ) قد هممنا به من التخلف عن الجهاد " ( {[6257]} ) .

فمعناه : ( وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمُ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) أي : لا تتأخروا عما هو أنفع لكم وهو الغزو( {[6258]} ) . والعرب تقول : " ألْقَى فلان بيديه " ( {[6259]} ) إذا استسلم( {[6260]} ) .

قوله : ( وَأَحْسِنُوا ) [ 194 ] .

قيل : معناه : أحسنوا الظن بالله عز وجل في المغفرة لمن تاب . هذا على قول من قال : ( وَلاَ تَلْقُوا بِأَيْدِيكُمُ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) . معناه في الذنوب ، وألا( {[6261]} ) ييأس من رحمة الله عز وجل( {[6262]} ) .

وقيل معناه( {[6263]} ) : أحسنوا الإنفاق( {[6264]} ) .

وقيل : معناه : أداء( {[6265]} ) الفرائض( {[6266]} ) .

وقيل : معناه : أحسنوا( {[6267]} ) الظن بالله تعالى أنه يضاعف( {[6268]} ) الحسنات ويخلف النفقة( {[6269]} ) .

قوله : ( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ ) [ 195 ] .

" ما " في موضع رفع ، أي : فعليه ذلك( {[6270]} ) .

وقيل : فوجب عليه( {[6271]} ) ما استيسر . والمعنى واحد .

وقيل : هي في موضع نصب تقديره : فَليُهدِ ما استيسر من الهدي( {[6272]} ) .

قال أبو عمرو( {[6273]} ) : " الهدي( {[6274]} ) جمع . واحده( {[6275]} ) : هَدْيَةٌ ، كَتَمْرَةٍ وتَمْرٍ " ( {[6276]} ) .

وقيل : هو مصدر لا واحد له كرجال صَومٍ . فهو يقع للواحد والجمع والتأنيث كأنه مصدر " هدى إلى البيت هدياً " وبنو تميم يُثقلون ياء الهدي( {[6277]} ) .

وقال الفراء : " لا واحد له " ( {[6278]} ) .

قوله : ( فَفِدْيَةٌ )( {[6279]} ) [ 195 ] أي فعليه فدية .

ويجوز النصب على( {[6280]} ) معنى : فليُفد فديةً ، وفليأت فدية .

قوله : ( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ ) [ 195 ] . الثاني( {[6281]} ) يجوز فيه ما جاز في الأول .

قوله : ( ذَلِكَ لِمَنْ لَّمْ يَكُنَ ) [ 195 ] أي ذلك الفرض على من( {[6282]} ) هذه حالته .


[6233]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[6234]:- في ق: نفقته.
[6235]:- في ع3: سبعمائة.
[6236]:- في ق: وضعف.
[6237]:- رواه النسائي والترمذي وحسنه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. انظر: سنن النسائي 6/49، وسنن الترمذي 4/167، والمستدرك 2/87.
[6238]:- انظر: قوله في إعراب القرآن 1/234، والإملاء 1/85.
[6239]:- في ق: زيادة.
[6240]:- انظر: معانيه 1/161-162.
[6241]:- في ع3: سفان. وهو تحريف.
[6242]:- القول لحذيفة بن اليمان، وإنما رواه عنه سفيان الثوري. انظر: تفسيره: 58. وهو أيضاً قول مجاهد في تفسيره 1/98-99.
[6243]:- انظر: المحرر الوجيز 2/107، وتفسير القرطبي 2/362، والدر المنثور 1/499.
[6244]:- في ع2: أمر.
[6245]:- انظر: جامع البيان 3/587.
[6246]:- في ع3: البعث.
[6247]:- انظر: المحرر الوجيز 2/107، وتفسير القرطبي 2/362.
[6248]:- في ق: تقتلوا. وهو تحريف.
[6249]:- انظر: المحرر الوجيز 2/107، وتفسير القرطبي 2/362.
[6250]:- واسمه عبد الله بن زيد بن عمرو، البصري، ثقة، كثير الحديث، وأحد الأئمة الأعلام. روى عن ابن عباس وأبي هريرة. وروى عنه قتادة وخالد الحذّاء. (ت104هـ). انظر: طبقات ابن خياط 211، وتذكرة الحفاظ 94، وطبقات القراء 2/62، وتقريب التهذيب 1/417، والخلاصة 2/58.
[6251]:- في ع3، ق: فأمروا ألا ييأسوا.
[6252]:- انظر: تفسير ابن كثير 1/229، وعزاه السيوطي إلى النعمان بن بشير في لباب النقول 37.
[6253]:- واسمه خالد بن زيد بن كليب، من كبار الصحابة، شهد المشاهد كلها. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بن كعب، وروى عنه ابن عباس وأنس بن مالك (ت 50 هـ). انظر: طبقات ابن خياط 89، والخلاصة 1/277-278، وتقريب التهذيب 1/213، والإصابة 1/405-406.
[6254]:- في ق: بينما.
[6255]:- في ع3: أن. وهو تحريف.
[6256]:- سقط من ق.
[6257]:- انظر: سنن الترمذي 5/212، وأسباب النزول 55، ولباب النقول 37.
[6258]:- في ق: العزو. وهو تصحيف.
[6259]:- في ع2، ع3: بيده.
[6260]:- انظر: هذا القول في المحرر الوجيز 2/106، وتفسير القرطبي 2/363.
[6261]:- في ع2: لا.
[6262]:- انظر: تفسير الثوري 59، وهو قول عكرمة في جامع البيان 3/595، والدر المنثور 1/501.
[6263]:- قوله "في الذنوب..معناه" ساقط من ح، ق.
[6264]:- انظر: جامع البيان 3/595، والمحرر الوجيز 2/107.
[6265]:- في ع2، ع3: أدوا.
[6266]:- انظر: جامع البيان 3/595.
[6267]:- في ع3: أحسن.
[6268]:- في ع2، ع3: سيضاعف.
[6269]:- انظر: المحرر الوجيز 2/107، وتفسير القرطبي 2/365.
[6270]:- انظر: هذا التوجيه النحوي في مجاز الفراء 1/118، ومشكل الإعراب 1/123، والبيان 1/146.
[6271]:- سقط من ع3.
[6272]:- انظر: مشكل الإعراب 1/123، والإملاء 1/85.
[6273]:- في ع1، ع2، ق، ع3: عمر. وأورده العكبري والقرطبي ولم ينسباه إليه. انظر: الإملاء 1/85، وتفسير القرطبي 2/378.
[6274]:- في ع2، ق، ع3: الهدى. وهو تصحيف.
[6275]:- في ع3: واحدة. وهو تصحيف.
[6276]:- في ق: كثمرة وثمر. وهو تصحيف.
[6277]:- في ع1: يتقلون بالهدي. وفي ع2، ع3: يتلقون بالهدي. في ق: يثقلون بالهدي.
[6278]:- لا يوجد في معانيه، وقد أورده النحاس في إعراب القرآن 1/244.
[6279]:- في ع2، ع3: فدية من صيام.
[6280]:- في ع2: وعلى.
[6281]:- في ع2: التي. وهو تحريف.
[6282]:- في ع2: ما.