وقوله تعالى : { وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة } [ البقرة :125 ]
سبيلُ اللَّهِ هنا : الجهادُ ، واللفظ يتناوَلُ بَعْدُ جميعَ سُبُلِهِ ، وفي الصحيح أنَّ أبا أيُّوب الأنصاريَّ كان على القُسْطَنْطِينِيَّةِ ، فحمل رجُلٌ على عَسْكَر العدُوِّ ، فقال قومٌ : ألقى هذا بيده إِلى التهلكة ، فقال أبو أيوب : لا ، إِنَّ هذه الآيةَ نزلَتْ في الأنصار ، حين أرادوا ، لمَّا ظهر الإِسلام ، أن يتركوا الجهادَ ، ويَعْمُروا أموالهم ، وأما هذا ، فهو الذي قال اللَّه تعالى فيه : { وَمِنَ الناس مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابتغاء مَرْضَاتِ الله } [ البقرة : 207 ] .
وقال ابن عبَّاس ، وحذيفةُ بْنُ اليَمَانِ ، وجمهورُ الناس : المعنى لا تُلْقُوا بأيديكم ، بأنْ تتركُوا النَّفَقَةَ في سَبِيلِ اللَّه ، وتخافوا العَيْلَةَ .
{ وَأَحْسِنُواْ } قيل معناه : في أعمالكم ، بامتثال الطَّاعات ، روي ذلك عن بعض الصحابة ، وقيل : المعنى وأحسنوا في الإِنفاق في سبيل اللَّهِ ، وفي الصَّدَقَات ، قاله زَيْدُ بْنُ أَسْلَم ، وقال عِكْرِمَة : المعنى : وأحْسِنُوا الظنَّ باللَّه عزَّ وجلَّ .
( ت ) ولا شَكَّ أن لفظ الآية عامٌّ يتناول جميعَ ما ذكر ، والمخصَّص يفتقر إِلى دليل .
فأما حُسْن الظن باللَّه سبحانه ، فقد جاءَتْ فيه أحاديثُ صحيحةٌ ، فمنها : ( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ) ، وفي «صحيح مسلم » ، عن جابرٍ ، قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ : ( لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ ) انتهى .
وأخرج أبو بكر بن الخَطِيبِ بسنده ، عن أنسٍ ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( مِنْ حُسْنِ عِبَادَةِ المَرْءِ حُسْنُ ظَنِّهِ ) ، انتهى .
قال عبد الحَقِّ في «العاقبة » : " أَمَّا حسْنُ الظنِّ باللَّهِ عزَّ وجلَّ عند الموت ، فواجبٌ ، للحديث " ، انتهى .
ويدخل في عموم الآية أنواعُ المعروف ، قال أبو عمر بن عَبْدِ البَرِّ ، قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ ) ، قَالَ أبُو جُرَيٍّ الُْجَهيْمِيُّ ، " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَوْصِنِي ، قَالَ : ( لاَ تَحْقِرَنَّ شَيْئاً مِنَ المَعْرُوفِ ، أَنْ تَأْتِيَهُ ، وَلَوْ أَنْ تُفَرِّغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ المُسْتَسْقِي ، وَلَوْ أَنْ تلقى أَخَاكَ ، وَوَجْهُكَ مُنْبَسِطٌ إِلَيْهِ ) ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلام : ( أَهْلُ المَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا ، هُمْ أَهْلُ المَعْرُوفِ فِي الآخِرَةِ ) ، وقال عليه الصلاة والسَّلام : ( إِنَّ لِلَّهِ عِبَاداً خَلَقَهُمْ لِحَوَائِجِ النَّاسِ ، هُمُ الآمِنُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ ) ، انتهى من كتابه المسمى ببهجة المَجَالسِ و أُنْس المُجَالِسِ " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.