السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ وَأَحۡسِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (195)

{ وأنفقوا في سبيل الله } أي : طاعته سواء الجهاد وغيره { ولا تلقوا بأيديكم } أي : بأنفسكم ، عبر بالأيدي عن الأنفس كقوله تعالى : { فبما كسبت أيديكم } ( الشورى ، 30 ) أي : بما كسبتم والباء زائدة { إلى التهلكة } أي : الهلاك بالإمساك عن النفقة في الجهاد أو الإسراف فيها ، حتى يفقر نفسه ويضيع عياله ، أو عن ترك الزور الذي هو تقوية للعدوّ .

روي أنّ رجلاً من المهاجرين حمل على صف العدوّ فصاح به الناس : ألقى بيده إلى التهلكة فقال أبو أيوب الأنصاري : نحن أعلم بهذه الآية ، وإنما نزلت فينا ، صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصرناه ، وشهدنا معه المشاهد ، وآثرناه على أهلنا وأولادنا وأموالنا ، فلما فشا الإسلام وكثر أهله ووضعت الحرب أوزارها رجعنا إلى أهلينا وأولادنا وأموالنا نصلحها ونقيم فيها ، فكانت التهلكة الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد ، فما زال أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى كان آخر غزوة غزاها بقسطنطينية في زمن معاوية ، فتوفي هناك ودفن في أصل سورها وهم يستسقون به .

وروي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من مات ولم يغز ولم يحدّث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق ) وقال محمد بن سيرين وعبيدة السلماني : الإلقاء إلى التهلكة هو القنوط من رحمة الله ، تعالى قال أبو قلابة : هو الرجل يصيب الذنب فيقول : قد هلكت ليست لي توبة فييأس من رحمة الله وينهمك في المعاصي ، فنهاهم الله تعالى عن ذلك كما قال تعالى : { إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } ( يوسف ، 87 ) { وأحسنوا } أي : بالنفقة وغيرها { إنّ الله يحب المحسنين } أي : يثيبهم .