الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{لِّكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكًا هُمۡ نَاسِكُوهُۖ فَلَا يُنَٰزِعُنَّكَ فِي ٱلۡأَمۡرِۚ وَٱدۡعُ إِلَىٰ رَبِّكَۖ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدٗى مُّسۡتَقِيمٖ} (67)

هو نهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي : لا تلتفت إلى قولهم ولا تمكنهم من أن ينازعوك . أو هو زجر لهم عن التعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنازعة في الدين وهم جهال لا علم عندهم وهم كفار خزاعة . روى : أن بديل بن ورقاء وبشر بن سفيان الخزاعيين وغيرهما قالوا للمسلمين : ما لكم تأكلون ما قتلتم ، ولا تأكلون ما قتله الله ! يعنون الميتة . وقال الزجاج : هو نهي له صلى الله عليه وسلم عن منازعته ، كما تقول : لا يضاربنك فلان ، أي : لا تضاربه . وهذا جائز في الفعل الذي لا يكون إلا بين اثنين { فِى الأمر } في أمر الدين . وقيل : في أمر النسائك ، وقرىء : «فلا ينزعنك » أي اثبت في دينك ثباتاً لا يطمعون أن يجذبوك ليزيلوك عنه . والمراد : زيادة التثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم بما يهيج حميته ويلهب غضبه لله ولدينه . ومنه قوله : { وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ ءايات الله } [ القصص : 87 ] ، { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين } [ الأنعام : 14 ] ، [ يونس : 105 ] ، [ القصص : 87 ] ، { فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً للكافرين } [ القصص : 86 ] . وهيهات أن ترتع همة رسول الله صلى الله عليه وسلم حول ذلك الحمى ، ولكنه وارد على ما قلت لك من إرادة التهييج والإلهاب . وقال الزجاج : هو من نازعته فنزعته أنزعه ، أي : غلبته ، أي : لا يغلبنك في المنازعة .

فإن قلت : لم جاءت نظيرة هذه الآية معطوفة بالواو وقد نزعت عن هذه ؟ قلت : لأنّ تلك وقعت مع ما يدانيها ويناسبها من الآي الواردة في أمر النسائك ، فعطفت على أخواتها . وأما هذه فواقعة مع أباعد عن معناها فلم تجد معطفاً .