البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لِّكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكًا هُمۡ نَاسِكُوهُۖ فَلَا يُنَٰزِعُنَّكَ فِي ٱلۡأَمۡرِۚ وَٱدۡعُ إِلَىٰ رَبِّكَۖ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدٗى مُّسۡتَقِيمٖ} (67)

و { لكل أمة جعلنا منسكاً } روي أنها نزلت بسبب جدال الكفار بديل بن ورقاء وبشر بن سفيان الخزاعيين وغيرهما في الذبائح وقولهم للمؤمنين : تأكلون ما ذبحتم وهو من قتلكم ، ولا تأكلون ما قتل الله فنزلت بسبب هذه المنازعة .

وقال ابن عطية { هم ناسكوه } يعطى أن المنسك المصدر ولو كان الموضع لقال هم ناسكون فيه انتهى .

ولا يتعين ما قال إذ قد يتسع في معمول اسم الفاعل كما يتسع في معمول الفعل فهو موضع اتسع فيه فأجرى مجرى المفعول به على السعة ، ومن الاتساع في ظرف المكان قوله :

ومشرب أشربه رسيل *** لا آجن الماء ولا وبيل

مشرب مكان الشرب عاد عليه الضمير ، وكان أصله أشرب فيه فاتسع فيه فتعدى الفعل إلى ضميره ومن الاتساع سير بزيد فرسخان .

وقرىء { فلا ينازعنك } بالنون الخفيفة أي أثبت على دينك ثباتاً لا يطمعون أن يجذبوك ، ومثله { ولا يصدنك عن آيات الله } وهذا النهي لهم عن المنازعة من باب لا أرينك ههنا ، والمعنى فلا بد لهم بمنازعتك فينازعوك .

وقرأ أبو مجلز { فلا ينازعنك } من النزع بمعنى فلا يقلعنك فيحملونك من دينك إلى أديانهم من نزعته من كذا و { الأمر } هنا الدين ، وما جئت به وعلى ما روي في سبب النزول يكون { في الأمر } بمعنى في الذبح { لعلى هدى } أي إرشاد .

وجاء و { لكل أمة } بالواو وهنا { لكل أمة } لأن تلك وقعت مع ما يدانها ويناسبها من الآي الورادة في أمر النسائك فعطفت على أخواتها ، وأما هذه فواقعة مع أباعد عن معناها فلم تجد معطفاً قاله الزمخشري .