الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{لِّكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكًا هُمۡ نَاسِكُوهُۖ فَلَا يُنَٰزِعُنَّكَ فِي ٱلۡأَمۡرِۚ وَٱدۡعُ إِلَىٰ رَبِّكَۖ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدٗى مُّسۡتَقِيمٖ} (67)

قوله تعالى : " لكل أمة جعلنا منسكا " {[11590]} أي شرعا . " هم ناسكوه " أي عاملون به . " فلا ينازعنك في الأمر " أي لا ينازعنك أحد منهم فيما يشرع لأمتك ؛ فقد كانت الشرائع في كل عصر . وروت فرقة أن هذه الآية نزلت بسبب جدال الكفار في أم الذبائح ، وقولهم للمؤمنين : تأكلون ما ذبحتم ولا تأكلون ما ذبح الله من الميتة ، فكان ما قتل الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم أنتم بسكاكينكم ، فنزلت الآية بسبب هذه المنازعة . وقد مضى هذا في " الأنعام " والحمد لله . وقد تقدم في هذه السورة ما للعلماء في قوله تعالى " منسكا " [ الحج : 34 ] . وقوله : " هم ناسكوه " يعطي أن المنسك المصدر ، ولو كان الموضع لقال هم ناسكون فيه . وقال الزجاج : " فلا ينازعنك في الأمر " أي فلا يجادلنك ، ودل على هذا " وإن جادلوك " . ويقال : قد نازعوه فكيف قال فلا ينازعنك ، فالجواب أن المعنى فلا تنازعهم أنت . نزلت الآية قبل الأمر بالقتال ، تقول : لا يضاربنك فلان فلا تضاربه أنت ، فيجري هذا في باب المفاعلة . ولا يقال : لا يضربنك زيد وأنت تريد لا تضرب زيدا . وقرأ أبو مجلز " فلا يَنْزِعَنَّك في الأمر " أي لا يستخفنك{[11591]} ولا يغلبنك عن دينك . وقراءة الجماعة من المنازعة . ولفظ النهي في القراءتين للكفار ، والمراد النبي صلى الله عليه وسلم . " وادع إلى ربك " أي إلى توحيده ودينه والإيمان به . " إنك لعلى هدى " أي دين . " مستقيم " أي قويم لا اعوجاج فيه .


[11590]:ص 58 من هذا الجزء.
[11591]:كذا في أ و ب و ج و ط و ك و ى.