الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَنَادَتۡهُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَهُوَ قَآئِمٞ يُصَلِّي فِي ٱلۡمِحۡرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحۡيَىٰ مُصَدِّقَۢا بِكَلِمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّدٗا وَحَصُورٗا وَنَبِيّٗا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (39)

قرئ : «فناداه الملائكة » . وقيل : ناداه جبريل عليه السلام ، وإنما قيل الملائكة على قولهم : فلان يركب الخيل { أَنَّ الله يُبَشّركَ } بالفتح على بأن الله ، وبالكسر على إرادة القول . أو لأن النداء نوع من القول . وقرئ : «يبشرك » ، «ويبشرك » ، من بشره وأبشره . «ويَبْشُرك » بفتح الياء من بشره . ويحيى إن كان أعجمياً وهو الظاهر فمنع صرفه للتعريف والعجمة كموسى وعيسى ، وإن كان عربياً فللتعريف ووزن الفعل كيعمر { مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ الله } مصدّقاً بعيسى مؤمناً به . قيل هو أول من آمن به ، وسمي عيسى «كلمة » لأنه لم يوجد إلا بكلمة الله وحدها ، وهي قوله : ( كن ) من غير سبب آخر . وقيل : مصدّقاً بكلمة من الله ، مؤمناً بكتاب منه . وسمي الكتاب كلمة ، كما قيل كلمة الحويدرة لقصيدته . والسيد : الذي يسود قومه ، أي يفوقهم في الشرف . وكان يحيى فائقاً لقومه وفائقاً للناس كلهم في أنه لم يركب سيئة قط ، ويالها من سيادة . والحصور : الذي لا يقرب النساء حصراً لنفسه أي منعاً لها من الشهوات . وقيل هو الذي لا يدخل مع القوم في الميسر . قال الأخطل :

وَشَارِبٍ مُرْبِحٍ بِالكأْسِ نَادَمَني *** لاَ بِالْحَصُورِ وَلاَ فِيهَا بِسَئَّارِ

فاستعير لمن لا يدخل في اللعب واللهو . وقد روي أنه مرّ وهو طفل بصبيان فدعوه إلى اللعب فقال : ما للعب خلقت { مّنَ الصالحين } ناشئاً من الصالحين ، لأنه كان من أصلاب الأنبياء ، أو كائناً من جملة الصالحين كقوله : { وَإِنَّهُ في الآخرة لَمِنَ الصالحين } [ البقرة : 130 ] .