الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{ثُمَّ أَوۡرَثۡنَا ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَيۡنَا مِنۡ عِبَادِنَاۖ فَمِنۡهُمۡ ظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ وَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞ وَمِنۡهُمۡ سَابِقُۢ بِٱلۡخَيۡرَٰتِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ} (32)

فإن قلت : ما معنى قوله : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب } ؟ قلت : فيه وجهان ، أحدهما : إنا أوحينا إليك القرآن ثم أورثنا من بعدك أي حكمنا بتوريثه . أو قال : أورثناه وهو يريد نورثه ، لما عليه أخبار الله { الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا } وهم أمّته من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم إلى يوم القيامة ؛ لأنّ الله اصطفاهم على سائر الأمم ، وجعلهم أمة وسطاً ليكونوا شهداء على الناس ، واختصهم بكرامة الانتماء إلى أفضل رسل الله ، وحمل الكتاب الذي هو أفضل كتب الله ، ثم قسمهم إلى ظالم لنفسه مجرم وهو المرجأ لأمر الله . ومقتصد : هو الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً ، وسابق من السابقين . والوجه الثاني : أنه قدم إرساله في كل أمّة رسولاً وأنهم كذبوا برسلهم وقد جاؤهم بالبينات والزبر والكتاب المنير ، ثم قال : إنّ الذين يتلون كتاب الله ، فأثنى على التالين لكتبه العاملين بشرائعه من بين المكذبين بها من سائر الأمم واعترض بقوله : { والذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الكتاب هُوَ الحق } ثم قال : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا } أي من بعد أولئك المذكورين ، يريد بالمصطفين من عباده : أهل الملة الحنيفية .