الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖۗ وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَـٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا} (78)

قرئ «يدركُكم » بالرفع وقيل : هو على حذف الفاء ، كأنه قيل : فيدرككم الموت ، وشبه بقول القائل :

مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ للَّهُ يَشْكُرُهَا ***

ويجوز أن يقال : حمل على ما يقع موقع { أَيْنَمَا تَكُونُواْ } ، وهو أينما كنتم ، كما حمل «ولا ناعب » ، على ما يقع موقع ( ليسوا مصلحين ) وهو ليسوا بمصلحين ، فرفع كما رفع زهير :

يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَالِي وَلاَ حَرِمُ ***

وهو قول نحوي سيبوي . ويجوز أن يتصل بقوله : { وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } أي ولا تنقصون شيئاً مما كتب من آجالكم . أينما تكونوا في ملاحم حروب أو غيرها ، ثم ابتدأ قوله : { يُدْرِككُّمُ الموت وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } والوقف على هذا الوجه على ( أينما تكونوا ) .

والبروج : الحصون . مشيدة مرفعة . وقرىء «مشيَّدة » من شاد القصر إذا رفعه أو طلاه بالشيد وهو الجصّ . وقرأ نعيم بن ميسرة «مشيدة » بكسر الياء وصفاً لها بفعل فاعلها مجازاً كما قالوا : قصيدة شاعرة ، وإنما الشاعر قارضها . السيئة تقع على البلية والمعصية . والحسنة على النعمة والطاعة . قال الله تعالى : { وبلوناهم بالحسنات والسيئات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ الأعراف : 198 ] وقال : { إِنَّ الحسنات يُذْهِبْن السيآت } [ هود : 114 ] . والمعنى : وإن تصبهم نعمة من خصب ورخاء نسبوها إلى الله ، وإن تصبهم بلية من قحط وشدة أضافوها إليك وقالوا : هي من عندك ، وما كانت إلا بشؤمك ، كما حكى الله عن قوم موسى : { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ } [ الأعراف : 131 ] وعن قوم صالح : { قَالُواْ اطيرنا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ } [ النمل : 47 ] وروي عن اليهود لعنت أنها تشاءمت برسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : منذ دخل المدينة نقصت ثمارها وغلت أسعارها ، فردّ الله عليهم { قُلْ كُلٌّ مّنْ عِندِ الله } يبسط الأرزاق ويقبضها على حسب المصالح { لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } فيعلموا أن الله هو الباسط القابض ، وكل ذلك صادر عن حكمة وصواب .