اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلِكُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولٞۖ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمۡ قُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (47)

قوله - تعالى - : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ } الآية .

لمَّا بيَّن حال محمد - عليه الصلاة والسلام - في قومه ، بيَّن أنَّ حال كل الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - مع أقوامهم كذلك .

والآية تدلُّ على أنَّ كلَّ جماعة ممَّن تقدَّم ، قد بعث الله إليهم رسُولاً ، ولم يهمل أمَّة من الأمم ويؤيِّده قوله - تعالى - : { وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } [ فاطر : 24 ] .

فإن قيل : كيف يصحُّ هذا مع ما يعلمُه من أحْوالِ الفترة ؟ .

فالجواب : أنَّ الدَّليل الذي ذكرناه ، لا يوجب أن يكون الرَّسُول حاضراً مع القوم ؛ لأنَّ تقدم الرسول لا يمنع من كونه رسُولاً إليهم ، كما لا يمنع تقدُّم رسولنا ، من كونه مبعوثاً إلينا إلى آخر الأبد .

وفي الكلام إضمار تقديره : فإذا جاء رسُولهُم وبلَّغ ، وكذَّبه قوم وصدقه آخرون ، قُضِيَ بَيْنَهُم ، أي : حُكِمَ وفُصِلَ .

والمراد من الآية :

إمَّا بيان : أنَّ الرسول إذا بعث إلى كلِّ أمَّة ، فإنَّه بالتبليغ ، وإقامةِ الحُجَّةِ يزيح عللهم ، ولم يبق لهم عُذْر ؛ فيكون ما يُعَذَّبُونَ به في الآخرة عدلاً لا ظُلْماً ، ويدُلُّ عليه قوله : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء : 15 ] ، وقوله : { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرسل } [ النساء : 165 ] .

وإمَّا أن يكون المرادُ : أنَّ القوم إذا اجتمعوا في الآخرة ، جمع الله بينهم وبين رسلهم وقت المحاسبة ، وبيان الفصل بين المُطِيعِ والعَاصِي ؛ ليشهد عليهم بما شاهد منهم ؛ وليقع منهم الاعتراف بأنَّه بلغ رسالات ربِّه ، ويدل عليه قوله - تعالى - : { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيداً } [ البقرة : 143 ] .