اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لِرَبِّهِۦ لَكَنُودٞ} (6)

قوله : { إِنَّ الإنسان لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } . هذا هو المقسم عليه ، و«لرَبِّهِ » متعلق بالخبر ، وقدم الفواصل ، والكنُود : الجحود .

وقيل : الكفور لنعمه ، وأنشد : [ الطويل ]

5281- كَنُودٌ لِنعْمَاءِ الرِّجَالِ ومَنْ يَكُنْ *** كَنُوداً لِنعْماءِ الرِّجَالِ يُبعَّدِ{[60714]}

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - هو بلسان «كندة » و«حضرموت » : العاصي ، وبلسان «ربيعة » و «مضر » : الكفور ، وبلسان «كنانة » : البخيل{[60715]} .

وأنشد أبو زيد : [ الخفيف ]

5282- إنْ تَفُتْنِي فلمْ أطِبْ عَنْكَ نَفْساً *** غَيْرَ أنِّي أمْسِي بِدهْرٍ كَنُودِ{[60716]}

وقيل : لسان الجاحد للحق . وقيل : إنما سميت كندة ؛ لأنها جحدت أباها .

وقيل : الكنود : من كند إذا قطع ، كأنه يقطع ما ينبغي أن يواصله من الشكر ، ويقال : كند الخيل : إذا قطع ؛ قال الأعشى : [ المتقارب ]

5283- يُعْطِي عَطاءً بِصُلبِ الفُؤادِ *** وصُولِ حِبَالٍ وكنَّادِهَا{[60717]}

فهذا يدل على القطع ، ويقال : كند يكند كنوداً ، أي : كفر النعمة وجحدها ، فهو كنود ، وامرأة كنود أيضاً ، وكند مثله ؛ قال الأعشى : [ الكامل ]

5284- أحْدِثْ لهَا تُحدِثُ لوصْلِكَ إنَّهَا *** كُنُدٌ لوِصْلِ الزَّائرِ المُعْتَادِ{[60718]}

أي : كفور للمواصلة ، وروى أبو أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الكنُودُ : هُو الَّذي يَأكلُ وحدهُ ، ويمنعُ رفدهُ ، ويَضربُ عَبْدَهُ » خرجه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول{[60719]} . وقال الحسن : الكنود اللوام لربه ، يعد المحن والمصيبات ، وينسى النعم والراحات ، وهو كقوله تعالى : { وَأَمَّآ إِذَا مَا ابتلاه فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ ربي أَهَانَنِ } [ الفجر : 16 ] .

واعلم أن الكنود لا يخرج عن أن يكون كفراً أو فسقاً ، وكيفما كان فلا يمكن حمله على كل الناس ، فلا بد من صرفه إلى كافر معين ، وإن حملناه على الكل فالمعنى أن طبع الإنسان يحمله على ذلك إلا إذا عصمه الله بلطفه وتوفيقه .

قال ابن عباس : الإنسان هنا الكافر ، يقول : إنه لكفور ، ومنه الأرض الكنود التي لا تنبت شيئاً{[60720]} . وقال الضحاك : نزلت في الوليد بن المغيرة . وقال أبو بكر الواسطي : الكنُود : الذي ينفق نعم اللهِ في معاصي الله .

وقال ذو النون المصري : الهلوع ، والكنود : هو الذي إذا مسه الشرُّ جزوعٌ ، وإذا مسَّه الخيرُ منوع . وقيل : هو الحسود الحقود .

قال القرطبي{[60721]} : «هذه الأقوال كلُّها ترجع إلى معنى الكفران والجحود » .

وقال ابن عباس - رضي الله عنه - نزلت في قرط بن عبد الله بن عمرو بن نوفل القرشي ، لقوله : { أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي القبور } [ العاديات : 19 ] ولا يليق إلا بالكافر المنكر لذلك{[60722]} .


[60714]:ينظر القرطبي 20/160، والبحر 80/500، والدر المصون 6/560.
[60715]:أخرجه الشطر الأول منه الطبري في "تفسيره" (12/672)، عن ابن عباس وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/653)، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس.
[60716]:ينظر البحر 8/500، والدر المصون 6/560، وفتح القدير 5/483.
[60717]:رواية الديوان: *** أميطي تميطي يصلب الفؤاد *** ينظر ديوان الأعشى ص 58، والقرطبي 20/109، واللسان (كند).
[60718]:ينظر ديوان الأعشى ص 50، ومجمع البيان 10/92، والقرطبي 20/109.
[60719]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/672)، والطبراني كما في "مجمع الزوائد" (7/145)، من حديث أبي أمامة مرفوعا. وقال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما جعفر بن الزبير وهو ضعيف وفي الآخر من لم أعرفه. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/654)، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي وابن عساكر بسند ضعيف. وقد ورد هذا الحديث موقوفا على أبي أمامة أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/673)، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/654)، وعزاه إلى البخاري في "الأدب" وعبد بن حميد والحكيم الترمذي وابن مردويه عنه موقوفا.
[60720]:تقدم تخريجه عن ابن عباس.
[60721]:الجامع لأحكام القرآن 20/110.
[60722]:ذكره الرازي في "تفسيره" (32/64)، عن ابن عباس.