اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَجَعَلۡنَا لَكُمۡ فِيهَا مَعَٰيِشَ وَمَن لَّسۡتُمۡ لَهُۥ بِرَٰزِقِينَ} (20)

قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ } جمع معيشة ، أراد الله بها المطاعم ، والمشارب ، والملابس ، وقيل : ما يعيش به المرءُ في الدنيا ، وقد تقدَّم الكلام على المعايش في الأعرافِ .

قوله تعالى : { وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ } ، يجوز في خمسة أوجه :

أحدها : قول الزجاج : أنه منصوب بفعلٍ مقدرٍ ، تقديره : وأغنينا من لستم له برازقين ، كالعبد ، والدَّواب ، والوحوش .

الثاني : أنه منصوب عطفاً على " مَعايِشَ " ، أي : وجعلنا لكم فيها معايش ومن لسْتُمْ له برازقين من الدَّواب المنتفع بها .

الثالث : أنه منصوب عطفا على محل " لَكُمْ " .

الرابع : أنه مجرور عطفاً على " كُمْ " المجرور بها اللام ؛ وجاز ذلك من غير إعادة الجار على رأي الكوفيين ، وبعض البصريين ، وتقدم تحقيقه في البقرة ، عند قوله : { وَكُفْرٌ بِهِ والمسجد الحرام } [ البقرة : 217 ] .

الخامس : أنه مرفوع بالابتداء ، وخبره محذوف ، أي : ومن لستم له برازقين ، جعلنا له فيها معايش ، وسمع من العرب : ضربت زيداً ، وعمروا ، برفع " عمرو " ؛ مبتدأ محذوف الخبر ، أي : وعمرو ضربته ، و " مَنْ " يجوز أن يراد بها العقلاء ، أي : من لستم له برازقين من مواليكم الذين تزعمون أنكم ترزقونهم ، أو يراد بها غير العقلاء ، أي : من لستم له برازقين من الدوابِّ ، وإن كنتم تزعمون أنكم ترزقونهم ؛ قال الله تعالى : { فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي على رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على أَرْبَعٍ } [ النور : 45 ] ، وقال سبحانه : { يا أيها النمل ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ } [ النمل : 18 ] فذكرها بصيغة جمع العقلاء ، ويجوز أن يراد بها النوعان ؛ وهو حسنٌ لفظاً ومعنًى .