قوله : { وَإِذَا وَقَعَ القول عَلَيْهِم } أي : مضمون القول ، أو أطلق المصدر على المفعول ، أي : المقول{[39483]} . ومعنى وقع القول عليهم : وجب العذاب عليهم ، وقال قتادة : إذا غضب الله عليهم { أخرجنا لهم دابة من الأرض } .
قوله : «تُكَلِّمُهُمْ » العامة على التشديد ، وفيه وجهان :
أظهرهما : أنه من الكلام والحديث ، ويؤيده قراءة أُبيّ : «تُنَبِّئُهُمْ »{[39484]} وقراءة يحيى بن سلام{[39485]} : «تحدثهم » {[39486]}- وهما تفسيران لها .
الثاني : «تجرحهم » ويدل عليه قراءة ابن عباس وابن جبير ومجاهد وأبي زرعة والجحدري «تَكْلُمُهُمْ » - بفتح التاء وسكون الكاف وضم اللام{[39487]} - من الكَلْمِ وهو الجرح{[39488]} ، وقد قرئ «تجرحهم »{[39489]} وجاء في الحديث : أنها تسم الكافر .
قوله : «أنَّ النَّاسَ » قرأ الكوفيون{[39490]} بفتح «أن » والباقون بالكسر{[39491]} ، فأما الفتح فعلى تقدير الباء ، أي : بأن الناس ، ويدل عليه التصريح بها في قراءة عبد الله «بأنَّ النَّاسَ »{[39492]} . ثم هذه الباء يحتمل أن تكون معدية وأن تكون سببيّة ، وعلى التقديرين يجوز أن تكون «تُكَلِّمُهُمْ » بمعنييه من الحديث والجرح أي : تحدثهم بأن الناس أو بسبب أن الناس أو تجرحهم بأن الناس ، أي : تسمهم بهذا اللفظ أو تسمهم بسبب انتفاء الإيمان{[39493]} . وأما الكسر فعلى الاستئناف ، ثم هو يحتمل أن يكون من كلام الله تعالى - وهو الظاهر - وأن يكون من كلام{[39494]} الدابة ، فيعكر عليه «بِآيَاتِنَا » ويجاب عنه إما باختصاصها صح إضافة الآيات إليها ، كقولك : اتباع الملوك ودوابنا وخيلنا وهي لملكهم{[39495]} ، وإما على حذف مضاف أي : بآيات ربنا{[39496]} ، و «تُكَلِّمُهُمْ » إن كان من الحديث فيجوز أن يكون إما لإجراء «تُكَلِّمُهُمْ » مجرى تقول لهم{[39497]} ، وإما على إضمار القول أي : فتقول كذا ، وهذا القول تفسير لتكلمهم{[39498]} .
قال السدي : تكلمهم ببطلان الأديان سوى دين الإسلام{[39499]} . وقيل : تقول للواحد هذا مؤمن وهذا كافر{[39500]} . وقيل كلامهم ما قال { أَنَّ الناس كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يوقنون } تخبر الناس أن أهل مكة لم يؤمنوا بالقرآن والبعث{[39501]} . قال ابن عمر : وذلك حين لا يؤمر بمعروف ولا ينهى عن منكر{[39502]} . قال{[39503]} رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «بَادِرُوُا بالأَعْمَالِ ستّاً . طلوعَ الشمس من مغربها ، والدجالَ ، والدخانَ والدابةَ وخاصةَ أحدكم ، وأمرَ العامة »{[39504]} وقال عليه السلام :{[39505]} «إنّ أولَ الآياتِ خروجاً طلوعُ الشمس من مغربها ، وخروجُ الدابة على الناس ضحًى ، فأيتهما{[39506]} ما كانت قبل صاحبتها ، فالأخرى على أثرها »{[39507]} وقال عليه السلام{[39508]} : «يكون للدابة ثلاث خرجات من الدهر ، فتخرج خروجاً في{[39509]} أقصى اليمن ، فيفشو ذكرها بالبادية ، ولا يدخل ذكرها القرية - يعني مكة - ثم تكمن{[39510]} زماناً طويلاً ، ثم تخرج خرجة أخرى قريباً من مكة ، فيفشو ذكرها بالبادية ، ويدخل ذكرها القرية - يعني مكة - ثم بينا الناس يوماً في أعظم المساجد على الله حرمه ، وأكرمها على الله عزَّ وجلَّ يعني المسجد الحرام ، ثم لم يرعهم إلا وهي في ناحية المسجد تدنو وتدنو » - قال الراوي : ما بين الركن الأسود إلى باب بني مخزوم عن يمين الخارج في وسط من ذلك - «فارفضّ الناس عنها ، وثبت لها عصابة عرفوا أنهم لم يعجزوا الله ، فخرجت عليهم تنفض رأسها من التراب فمرت بهم فجلت عنهم عن وجوههم ، حتى تركتها كأنها الكواكب الدرية ، ثم ولت في الأرض لا يدركها طالب ولا يعجزها هارب ، حتى إن الرجل ليقوم فيتعوذ منها بالصلاة ، فتأتيه من خلفه ، فتقول : يا فلان الآن تصلي ، فيقبل عليها بوجهه فتسمه في وجهه ، فيتجاور الناس في ديارهم ، ويصطحبون في أسفارهم ويشتركون في الأموال ، يُعرَف الكافر من المؤمن ، فيقال للمؤمن يا مؤمن ، وللكافر يا كافر »{[39511]} وقال عليه السلام :{[39512]} «تخرج الدابة ومعها عصا موسى وخاتم سليمان ، فتجلو وجه المؤمن بالعصا ، وتخطم{[39513]} أنف الكافر بالخاتم ، حتى إن أهل الخوان{[39514]} ليجتمعون{[39515]} ، فيقولون هذا : يا مؤمن ، ويقول هذا : يا كافر »{[39516]} وروي عن عليّ قال : ليس بدابة لها ذَنَب ، ولكن لها لحية ، كأنه يشير إلى أنها رجل{[39517]} ، والأكثرون على أنها دابة{[39518]} ، لما روى ابن جريج{[39519]} عن أبي الزبير أنه وصف الدابة فقال : رأسها رأس الثور ، وعينها عين الخنزير ، وأن لها أذناً ، قيل : وقرنها قرن أيل{[39520]} وصدرها صدر أسد ، ولونها لون النمر ، وخاصرتها خاصرة هو ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير ، بين كل مفصلين اثني عشر ذراعاً ، معها عصا موسى وخاتم سليمان ، وذكر باقي الحديث{[39521]} . وروى حذيفة بن اليمان{[39522]} قال {[39523]} : ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدابة ، قلت : يا رسول الله : من أين تخرج ؟ قال : «من أعظم حرمة المساجد على الله بينما عيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون إذ تضطرب الأرض تحتهم وينشق الصفا مما يلي المشعر ، وتخرج الدابة من الصفا أول ما يبدوا منها رأسها ملمعة ذات وبر وريش لن يدركها طالب ولن يفوتها هارب تسم الناس مؤمناً وكافراً ، أما المؤمن فتترك{[39524]} وجهه كأنه كوكب دري ، وتكتب بين عينيه مؤمن ، وأما الكافر فتنكت بين عينيه نكتة سوداء وتكتب بين عينيه : كافر{[39525]} » .
وروي عن ابن عباس أنه قرع الصفا بعصا - وهو محرم - وقال : إن الدابة لتسمع قرع عصاي هذه{[39526]} وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «بئس الشعب شعب جياد » ، مرتين أو ثلاثاً ، قيل : ولم ذاك يا رسول الله ؟ قال : «تخرج منه الدابة ، فتصرخ ثلاث صرخات يسمعها من بين الخافقين{[39527]} » .
وقال وهب : وجهها وجه الرجل ، وسائر خلقها خلق الطير فتخبر من رآها{[39528]} أن أهل مكة كانوا بمحمد والقرآن لا يوقنون{[39529]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.