قوله : { وَأَصْبَحَ الذين تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ } أي : صار{[40892]} أولئك الذين تمنوا{[40893]} ما رُزق من{[40894]} المال والزينة يتندمون على ذلك التمني{[40895]} ، والعرب تعبِّر عن{[40896]} الصيرورة بأصبح وأمسى وأضحى ، تقول : أصبح فلانٌ عالماً ، وأضحى معدماً ، وأمسى حزيناً ، والمعنى صار ذلك زاجراً لهم عن حب الدنيا ومخالفة موسى وداعياً إلى الرضا بقضاء الله وقسمته{[40897]} .
قوله : { وَيْكَأَنَّ الله . . . . وَيْكَأَنَّه } فيه مذاهب منها : أن وَيْ كلمة برأسها وهي اسم فعلٍ معناها أعجب{[40898]} أي أنا والكاف للتعليل ، و «أنْ » وما في حيّزها مجرورة بها ، أي : أعجب لأنَّه لا يفلح الكافرون ، وسمع كما أنَّه لا يعلم غفر الله له{[40899]} ، وقياس هذا القول أن يوقف على «وَيْ » وحدها ، وقد فعل ذلك الكسائي ، إلا أنه ينقل عنه أنه يعتقد في الكلمة أن أصلها «وَيْلَكَ » كما سيأتي ، وهذا ينافي وقفه ، وأنشد سيبويه{[40900]} :
4020 - وَيْ كَأَنْ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَبٌ يُحْ *** بَبْ وَمَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرٍّ{[40901]}
الثاني : قال بعضهم «كَأَنَّ » هنا للتشبيه إلا أنه ذهب منها معناه ، وصارت للخبر والتيقن{[40902]} ، وأنشد :
4021 - كَأَنَّنِي حِينَ أُمْسِي لاَ يُكَلِّمُنِي *** مُتَيَّمٌ يَشْتَهِي مَا لَيْسَ مَوْجُودا{[40903]}
وهذا أيضاً يناسبه الوقف على «وَيْ » .
الثالث : أن «وَيْكَ » كلمة برأسها والكاف حرف خطاب ، وأنَّ معمولة لمحذوف ، أي : اعلم أنَّه لا يفلح ، قال الأخفش{[40904]} ، وعليه قوله :
4022- ألا ويك المسرة لا تدوم *** ولا يبقى على البؤس النعيم{[40905]}
وقوله عنترة{[40906]} :
4023 - وَلَقَدْ شَفَى نَفْسِيَ وَأَبْرَأَ سُقْمَهَا *** قِيلُ الفَوَارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْدِمِ{[40907]}
وحقه أن تقف على «وَيْكَ » وقد فعله أبو عمرو بن العلاء{[40908]} .
الرابع : أن أصلها «وَيْلَكَ » فَحُذِفَ{[40909]} ، وإليه ذهب الكسائي ويونس وأبو حاتم{[40910]} ، وحقهم{[40911]} أن يقفوا على الكاف كما فعل أبو عمرو ، ومن قال بهذا استشهد بالبيتين المتقدمين ، فإنه يحتمل أن يكون الأصل فيهما «وَيْلَكَ » فحذف ولم يرسم في القرآن إلا «وَيْكَأَنَّ » «وَيْكَأَنَّهُ »{[40912]} متصلة في الموضعين{[40913]} . فعامَّة القرَّاء اتبعوا الرسم ، والكسائي وقف على «وَيْ » وأبو عمرو على «وَيْكَ »{[40914]} وهذا كله في وقف الاختيار دون الاختبار كنظائر تقدمت{[40915]} .
الخامس : أنَّ وَيْكَأَنَّ كلها كلمة مستقلة بسيطة ومعناها «أَلَمْ تَرَ »{[40916]} . وربَّما نقل ذلك عن ابن عباس{[40917]} ، ونقل الكسائي والفراء أنها بمعنى : أما ترى إلى صنع الله ، قال الفراء : هي كلمة تقرير ، وذكر أنه أخبره{[40918]} من سمع أعرابية تقول لزوجها : أين ابنك ؟ قال : وَيْ كأنَّه وراء البيت ، يعني : أما ترينه وراء البيت{[40919]} ، وحكى ابن قتيبة أنها بمعنى : رحمة لك في لغة حمير{[40920]} .
قوله : { لولا أَن مَّنَّ الله } قرأ الأعمش «لَوْلاَ مَنَّ » بحذف «أنْ » وهي مرادة ، لأن لولا هذه لا يليها إلا المبتدأ{[40921]} ، وعنه «مَنُّ » برفع النون وجر الجلالة ، وهي واضحة{[40922]} .
قوله : «لَخَسَفَ » قرأ حفص : «لَخَسَفَ » مبنياً للفاعل أي الله تعالى ، والباقون ببنائه للمفعول{[40923]} ، و «بِنَا » هو القائم مقام الفاعل ، وعبد الله وطلحة لانْخُسِفَ بِنَا{[40924]} أي : المكان ، وقيل : «بِنَا » هو القائم مقام الفاعل كقولك : انقطع بنا{[40925]} ، وهي عبارة رديئة وقيل : الفاعل{[40926]} : ضمير المصدر أي : لانخسف الانخساف{[40927]} وهي عنه أيضاً ، وعن عبد الله «لَتُخُسِّفَ » بتاء من فوق وتشديد السين مبنياً للمفعول ، وبنا قائم مقامه{[40928]} .
قوله : «وَيْكَأَنَّ » كلمة مستعملة عند التنبيه للخطاب وإظهار التندم{[40929]} ، فلما قالوا : { يا ليت لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ } [ القصص : 79 ] ثم شاهدوا الخسف تنبهوا لخطئهم ، ثم قالوا : كأنه { يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } بحسب مشيئته وحكمته لا لكرامته عليه ، ويضيق على من يشاء لا لهوان من يضيِّق عليه ، بل لحكمته وقضائه ابتلاء وفتنة{[40930]} ، قال سيبويه : سألت الخليل عن هذا الحرف ، فقال : «وَيْ » مفصولة{[40931]} «من كَأَنَّ » وأن القوم تنبهوا وقالوا متندمين على ما سلف منهم{[40932]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.