الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{۞تُرۡجِي مَن تَشَآءُ مِنۡهُنَّ وَتُـٔۡوِيٓ إِلَيۡكَ مَن تَشَآءُۖ وَمَنِ ٱبۡتَغَيۡتَ مِمَّنۡ عَزَلۡتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكَۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن تَقَرَّ أَعۡيُنُهُنَّ وَلَا يَحۡزَنَّ وَيَرۡضَيۡنَ بِمَآ ءَاتَيۡتَهُنَّ كُلُّهُنَّۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمٗا} (51)

وقوله تعالى : { تُرْجِ مَن تَشَاء مِنْهُنَّ } [ الأحزاب : 51 ] ترجي معناه : تُؤَخِّرُ و{ تُؤْوِي } معناه : تَضُمُّ وتُقَرب ، ومعنى هذه الآية : أن اللّه تعالى فَسَحَ لنبيِّه فيما يفعله في جِهَة النساء ، والضميرُ في { مِنْهُنَّ } عائدٌ على مَن تَقَدَّمَ ذكرُه من الأصْنَافِ حَسْبَ الخِلافِ المذكورِ في ذلك ، وهذا الإرجاء والإيواء يحتمل معاني منها أن المعنى في القَسْمِ ، أي : تُقرِّبُ مَنْ شِئْتَ فِي القسمةِ لَها مِن نَفْسِكَ وَتُؤَخِّرُ عَنْكَ مِن شِئْتَ وتُكْثِر لمن شئت وتُقِلُّ لمن شئت ، لا حرجَ عليكَ في ذلك ، فإذا عَلِمْنَ هنَّ أنّ هذا هو حكم اللّه لك رَضِينَ وقَرَّت أعينُهن وهذا تأويل مجاهد وقتادةَ والضحاك .

قال ( ع ) : لأن سبَبَ هذهِ الآيةِ تَغَايرٍ وَقَعَ بَيْنَ زَوْجَاتِ النبي صلى الله عليه وسلم تَأَذَّى بِهِ ، وقَالَ ابن عباس : المعنَى في طَلاق مَنْ شَاء وإمْسَاك مَن شاء ، وقال الحسنُ بن أبي الحسن : المعنى في تَزَوُّج من شَاء ؛ وترك مَنْ شَاء ، قال ( ع ) : وعلى كلِّ مَعْنًى فالآيةُ معناها : التَوْسِعَة على النبي صلى الله عليه وسلم والإباحة له وذهب هبة اللّه في «الناسخ والمنسوخ » له إلى أن قولَه { تُرْجِي مَن تَشَاء } [ الأحزاب : 51 ] ناسخُ لقوله : { لاَّ يَحِلُّ لَكَ النساء مِن بَعْدُ } [ الأحزاب : 52 ] .

وقوله تعالى : { وَمَنِ ابتغيت مِمَّنْ عَزَلْتَ } [ الأحزاب : 51 ] يحتمل معاني : أحدها أن تَكونَ «من » للتبعيض ، أي : من أردت وطلبَتْه نفسُك ممن كنتَ قَدْ عزلتَه وأخَّرتَه { فلا جناح عليك } في رده إلى نفسِكَ وإيوائه إليك ، ووجه ثانٍ وهو أن يكونَ مُقَوِّياً ومُؤكِداً لقوله : { تُرْجِي مَن تَشَاء } و{ تؤوي مَن تَشَاء } فيقول بعدُ { ومَن ابتغيتَ } ومَنْ عَزَلْتَ فذلكَ سواءٌ لا جناحَ عليك فِي ردِّه إلى نفسِكَ وإيوائه إليك .

وقوله : { وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ } أي مِنْ نفْسِك ، ومالِك ، واتفقتِ الرواياتُ على أنه عليه السلام معَ مَا جَعَلَ اللّه له من ذلكَ كان يُسَوِّي بينهن في القَسْمِ تَطْيِيباً لنفُوسِهنَّ وأخْذاً بالفَضْلِ ، وما خصه اللّه من الخَلق العظيم صلى اللّه عليه وعلى آله غَيْرَ أنْ سودةَ وَهَبَتْ يومَها لعائشةَ تَقَمُّناً لمسَرَّةِ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم .