اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة " الزمر " مكية إلا قوله : { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } . وهي خمس وسبعون آية ، وألف ومائة واثنتان وتسعون كلمة ، وأربعة آلاف وسبعمائة وثمانية أحرف .

قوله تعالى : { تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز الحكيم } في «تنزيل » وجهان :

أحدهما : أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا تنزيل . وقال أبو حيان : وأقول : إنه خبر والمبتدأ «هو » ليعود على قوله : { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } [ يوسف : 104 ] كأنه قيل : وهذا الذكر ما هو ؟ فقيل : هو تنزيلُ الكِتَابِ .

الثاني : أنه مبتدأ ، والجار بعده خبره أي تَنْزِيلُ الكتاب كَائِنٌ من الله ، وإليه ذهب الزَّجَّاج والفراء .

قال بعضهم : وهذا أولى من الأول ؛ لأن الإضمار خلاف الأصل فلا يصار إليه إلا لضرورةٍ ، وأيضاً فإنًّا إذا قلنا : { تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله } جملة تامة من المبتدأ والخبر أفاد فائدةً شريفة وهي تنزيل الكتاب يكون من الله لا من غيره ، وهذا الحصر معنى مُعْتَبَرٌ ، وإذا أضمرنا المبتدأ لم تَحْصُلُ هذه الفائدة ، وأيضاً فإنا إذا أَضْمَرْنَا المبتدأ صار التقدير : هذا تنزيلُ الكتاب ، وحينئذ يلزم مجاز آخر لأن هذا إشارة إلى السورة وهي ليست نفس التنزيل بل السورة منزلة فيحنئذ يحتاج إلى أن يقول : المراد منه المفعول وهو مجاز تحملناه لا لضرورة .

قوله : { مِنَ الله } يجوز فيه أوجه :

أحدها : أنه مرفوع المحل خبر التنزيل كما تقدم .

الثاني : أنه خبر بعد خبر إذا جعلنا تَنْزِيل خبر مبتدأ مضمر ، كقولك : هَذَا زَيْدٌ مِنْ أهْلِ العِرَاقِ .

الثالث : أنه خبر مبتدأ مضمر أي هَذَا تنزيل هذا من الله .

الرابع : أنه متعلق بنفس «تنْزِيلٍ » إذا جعلناه خبر مبتدأ مضمر .

الخامس : أنه متعلق بمحذوف على أنه حال من «تَنْزِيلٍ » عَمِلَ فيه اسم الإشارة المقدر قاله الزمخشري .

قال أبو حيان : ولا يجوز أن يكون حالاً عمل فيها معنى الإشارة ؛ لأن معاني الأفعال لا تعمل إذا كان ما هي فيه محذوفاً ، ولذلك ردوا على أبي العباس قوله في بيت الفرزدق :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** وَإِذْ مَا مِثْلَهُمْ بَشَرُ

أنّ «مِثْلَهُمْ » منصوب بالخبر المحذوف وهو مقدر وإذ ما في الوجود في حال مماثلتهم بشراً .

السادس : أنه حال من «الكتاب » . قاله أبو البقاء ، وجاز مجيء الحال من المضاف إليه لكونه مفعولاً للمضاف ، فإن المضاف مصدر مضاف لمفعوله .

والعامة على رفع " تنزيل " على ما تقدم ، وقرأ زيد بن علي وعيسى وابن أبي عبلة بنصبه بإضمار فعل تقديره الزم أو اقرأ ونحوهما .

فصل :

احتج القائلون بخَلْق القرآن بأن الله تعالى وصف القرآن بكونه تنزيلاً ومنزلاً . وهذا الوصف لا يليق إلا بالمُحْدَثِ المخلوق ، قال ابن الخطيب : والجواب أنّا نحمل هذه اللفظة على الصِّيغ والحُرُوف .

قوله : { العزيز الحكيم } والعزيز هو القادر الذي لا يُغْلَبُ ، والحكيم هو الذي يفعل لداعية الحكمة وهذا إنما يتم إذا كان عالماً بجميع المعلومات غنياً عن جميع الحاجات .