اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ عُدۡوَٰنٗا وَظُلۡمٗا فَسَوۡفَ نُصۡلِيهِ نَارٗاۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًا} (30)

قوله : { وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ } " مَنْ " شرطيَّة [ مبتدأ ]{[7593]} ، والخبر " فَسَوْفَ " والفاءُ هنا واجبة لِعَدَمِ صلاحيَّةِ الجَوَابِ للشَّرْطِ ، و " ذَلِكَ " إشارةٌ إلى قتل الأنفُسِ قال الزَّجَّاجُ{[7594]} : يَعُودُ إلى قَتْلِ الأنْفُسِ ، وأكل المالِ بالبَاطِلِ ؛ لأنَّهُمَا مذكوران في آية واحدة .

وقال ابْنُ عَبَّاسٍ{[7595]} : إنَّهُ يعودُ على كُلِّ ما نهى اللَّهُ عنه من أوَّلِ السُّورةِ إلى هذا المَوْضعِ ، وقال الطَّبريُّ : " ذلك " عائد على{[7596]} ما نهي عنه من آخر وعيد وذلك قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاءَ كَرْهاً } [ النساء : 19 ] ؛ لأنَّ كل ما ينهى عنه من أوَّلِ السُّورةِ قرن به وعيد ، إلا مِنْ قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاءَ كَرْهاً } [ النساء : 19 ] فإنَّهُ لا وعيدَ بَعْدَهُ إلا قوله : { وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْوَاناً } [ النساء : 30 ] الآية . وقيل الوعيد بذكر العُدْوَانِ والظُّلْمِ ، ليخرج منه فعل السَّهْوِ والغلط ، وذكر العًُدْوَانِ ، والظُّلْمِ مع تقارب{[7597]} معناهما لاختلافِ ألفاظِهِما كقوله : " بُعْداً " و " سُحْقاً " وقوله يعقوب عليه السلام : { إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ }

[ يوسف : 86 ] وقوله : [ الوافر ]

1791 أ- . . . *** وألْفَى قَوْلَهَا كَذِباً وَمَيْنَا{[7598]}

و " عدواناً وظلماً " حالان أي : متعدياً ظالماً أو مفعول من أجلها وشروط النصب متوفرة وقُرِئَ : " عِدْواناً " بكسر العين . و " العدوان " : مُجاوَرَةُ الحَدّ ، والظُّلْمُ : وضع الشَّيْءِِ في غير مَحَلِّه ، ومعنى { نُصْلِيهِ نَاراً } ، أي : يمسُّه حَرُّهَا . وقرأ الجمهور : { نُصْلِيهِ } من أصْلَى ، والنون للتعظيم . وقرأ{[7599]} الأعْمَشُ : " نُصَلِّيه " مُشَدّداً .

وقرئ{[7600]} : " نَصْليه " بفتح النُّونِ من صَلَيْتُه النَّار . ومنه : " شاة مصلية " .

و " يصليه " {[7601]} بياء الغَيْبَةِ . وفي الفاعِلِ احتمالان :

أحدهُمَا : أنَّهُ ضميرُ الباري تعالى .

والثَّاني : أنَّهُ ضميرٌ عائدٌ على ما أُشير به إلَيْهِ مِنَ الْقَتْلِ ؛ لأنَّهُ سَبَبٌ في ذلك ونكر " ناراً " تعظيماً .

{ وَكَانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً } أي : هيناً


[7593]:سقط في أ.
[7594]:ينظر: تفسير الرازي 10/59.
[7595]:ينظر السابق.
[7596]:في أ: هذا غاية.
[7597]:في ب: تفاوت.
[7598]:تقدم برقم 492.
[7599]:ينظر: المحرر الوجيز 2/43، والبحر المحيط 3/243، والدر المصون 2/354.
[7600]:قرأ بها النخعي والأعمش كما في البحر المحيط 3/243، وانظر: الدر المصون 2/354، والتخريجات النحوية والصرفية 231.
[7601]:انظر: السابق.