الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ عُدۡوَٰنٗا وَظُلۡمٗا فَسَوۡفَ نُصۡلِيهِ نَارٗاۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًا} (30)

قوله تعالى : { وَمَن يَفْعَلْ ذلك عدوانا وَظُلْماً }[ النساء :30 ] .

اختلف في المُشَارِ إلَيْه بذَلِكَ ، فقال عطاء : ( ذَلِكَ ) عائدٌ على القَتْل ، لأنه أقربْ مَذْكُور ، وقالتْ فرقةٌ : ( ذلك ) عائدٌ على أَكْلِ المالِ بالباطِلِ ، وقَتْلِ النَّفْسِ ، وقالَتْ فرقةٌ : ( ذَلِكَ ) : عائدٌ على كُلِّ ما نُهِيَ عَنْه مِنْ أوَّل السورةِ ، وقال الطبريُّ : ( ذَلِكَ ) عائدٌ على ما نُهِيَ عنه مِنْ آخر وعيدٍ ، وذلك قولُهُ تعالى : { يا أيها الذين ءَامَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُواْ النساء كَرْهاً }[ النساء : 19 ] ، لأنَّ كلَّ ما نهي عنه قبله إلى أول السُّورة ، قُرِنَ به وعيدٌ ، قال ابنُ العَرَبيِّ في " أحكامه " والقول الأول أصحُّ ، وما عداه محتملٌ ، انتهى .

والعدوانُ : تَجَاوُزُ الحَدّ .

قال ( ص ) : { عُدْوَاناً وظُلْماً } مصدرانِ في مَوْضِعِ الحال ، أي : معتدِّين وظالِمِينَ ، أبو البقاء : أو مفعولٌ من أجله ، انتهى .

واختلف العلماءُ في الكبائِرِ ، فقال ابنُ عبَّاس ، وغيره : الكبائرُ كلُّ ما وَرَدَ علَيْه وعيدٌ بنارٍ ، أو عذابٍ ، أو لَعْنَةٍ ، أو ما أشبه ذلك .

وقال ابن عبَّاس أيضاً : كلُّ ما نَهَى اللَّه عنه ، فَهُوَ كَبِيرٌ ، وعلَى هذا القول أئمَّة الكلامِ : القاضِي ، وأبو المَعَالِي ، وغَيْرُهما ، قالوا : وإِنما قيل صغيرةٌ ، بالإِضافة إِلَى أكبر منها ، وإِلاَّ فهي في نفسها كبيرةٌ ، منْ حيْثُ المَعْصِيُّ بالجميع واحدٌ ، واختلف العلماءُ في هذه المسألة ، فجماعةٌ من الفقهاءِ والمحدِّثين يَرَوْنَ أنَّ باجتنابِ الكبَائرِ تُكَفَّر الصغائرُ قطْعاً ، وأما الأصوليُّون ، فقَالُوا : مَحْمَلُ ذلك علَى غَلَبة الظَّنَّ ، وقُوَّةِ الرجاءِ ، لا علَى القَطْع ، ومَحْمَلُ الكبائرِ عند الأصوليِّين في هذه الآيةِ أجناسُ الكُفْر ، والآيةُ التي قَيَّدت الحُكْمَِ ، فتردُّ إِلَيْها هذه المُطْلَقات كلُّها : قوله تعالَى : { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ }[ النساء : 48 ] .

و{ كَرِيماً } : يقتضي كَرَمَ الفضيلةِ ، ونَفْيَ العيوب ، كما تقول : ثَوْبٌ كريمٌ ، وهذه آية رجاء ، ورَوى أبو حاتم الْبُسْتِيُّ في «المسْنَدِ الصَّحِيح » له .