قوله تعالى : «رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ » فيه وجهان :
أحدهما : أن يكون مبتدأ والخبر «ذو العرش » و«يُلْقِي الروح » يجوز أن يكون خبراً ثانياً ، وأن يكون حالاً ، ويجوز أن يكونَ الثلاثة أخباراً لمبتدأ محذوف ، ويجوز أن يكون الثلاثة أخباراً لقوله { هُوَ الذي يُرِيكُمْ }{[47987]} قال الزمخشري : ثلاثة أخبار يجوز أن تكون مترتبة على قوله { هو الذي يريكم } أو أخبار مبتدأ محذوف وهي مختلفة تعريفاً وتنكيراً{[47988]} ، قال شهاب الدِّين : أما الأول ففيه طول الفصل وتعدد الأخبار ، وليست في معنى خبر واحد ، ( وأما{[47989]} الثاني ففيه تعدد الأخبار وليس في معنى واحد ) وهي مسألة خلاف ولا يجوز أن يكون «ذُو العَرْشِ » صفة «لِرَفيعِ الدرجات » إن جعلناه صفة مشبهة ، أما إذا جعلناه مثال مبالغة أي يرفع درجات المؤمنين فيجوز ذلك على أن يجعل إضافته محضة ، وكذلك عند من يُجَوِّزُ تَمَحُّضَ إضافة الصفة المشبهة أيضاً{[47990]} . وقد تقدم ، وقرئ «رَفِيعَ »{[47991]} بالنصب على المدح .
لما ذكر من صفات كبريائه كونه مظهراً للآيات منزلاً للأرزاق ذكر في هذه الآية ثلاثة أخرى من صفات الجلال والعظمة وهو قوله رفيع الدرجات وهذا يحتمل أن يكون المراد منه الرافع وأن يكون المراد منه المرتفع ، فإن حملناهُ على الأول ففيه وجوه :
الأول : أن الله يرفع درجات الأنبياء والأولياء في الجنة .
والثاني : يرفع درجات الخلق في العلوم والأخلاق الفاضلة فجعل لكل أحد من الملائكة درجةً معيّنة كما قال : { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [ الصافات : 164 ] ، وجعل لكل أحد من العلماء درجة معينة فقال تعالى : { يَرْفَعِ الله الذين آمَنُواْ مِنكُمْ والذين أُوتُواْ العلم دَرَجَاتٍ } [ المجادلة : 11 ] وعين لكل جسم درجةً معينة فجعل بعضها سُفْليّة كدرة ، وبعضها فلكية كوكبية ، وبعضها من جواهر العرش والكرسي ، وأيضاً جعل لكل واحد مرتبة معينة في الخَلْقِ والخُلُقِ والرزق والأجل فقال : { وَهُوَ الذي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأرض وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } [ الأنعام : 165 ] وجعل لكل أحد من السعداء والأشقياء في الدنيا درجة معينة من موجبات السعادة وموجبات الشقاوة وفي الآخرة تظهر تلك الآثار . وإن جعلنا «الرفيع » على «المرتفع » فهو سبحانه أرفع الموجودات في جميع صفات الكمال والجلال . وقوله «ذُو العرْشِ » أي خالقه ومالكه ومدبره ، و «يُلْقِي الرُّوح » أي ينزل الوحي من السماء روحاً لأنه تحيا به القلوب كما تحيا الأبدان بالأرواح{[47992]} وقوله «مِنْ أَمْرِهِ » متعلق ب «يُلْقِي » ، و«مِنْ » لابتداء الغاية ، ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه حَالٌ من «الروح »{[47993]} .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : معنى من أمره أي من قضائه ، وقيل : من قوله . وقال مقاتل بأمره على من يشاء من عباده{[47994]} . وقوله : { لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق } العامة على بنائه للفاعل ، ونصب اليوم والفاعل هو الله تعالى أو الروح أو «مَنْ يَشَاءٍَُ » : أو الرسول ، ونصب » «اليوم » «إما على الظرفية والمُنْذَرُ به محذوف تقديره لينذر العذابُ يوم التلاقي ، وإما المفعول به اتساعاً في الظرف{[47995]} وقرأ أبيّ وجماعة كذلك إلا أنه رفع اليوم{[47996]} على الفاعلية مجازاً أي لينذر الناس العذاب يوم التلاق . وقرأ الحسن واليمانيّ «لتنذر » بالتاء من فوق{[47997]} وفيه وجهان :
أحدهما : أن الفاعل ضمير المخاطب وهو الرسول صلى الله عليه وسلم .
والثاني : أن الفاعل ضمير الروح فِإنها مؤنثة على رأيٍ .
وقرأ اليماني أيضاً «لينذر{[47998]} » مبنياً للمفعول «يوم » بالرفع وهي تؤيد نصبه في قراءة الجمهور على المفعول به اتساعاً . وأثبت ياء «التلاق » وصلاً ووقفاً ابن كثير ، وأثبتها في الوقف دون الوصل من غير خلاف ورشٌ ، وحذفها الباقون وصلاً ووقفاً إلا قَالُونُ ، فإنه روي عنه وجهان ، وجهٌ كورشٍ ، ووجه كالباقين ، وكذلك هذا الخلاف بعينه جارٍ في «يَوْم التَّنَادِ{[47999]} » . وقد تقدم توجيه هنذه الوجهين في الرَّعْد في قوله : { الكبير المتعال }{[48000]} [ الرعد : 9 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.