قوله : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ . . . } الآية الحرث في اللغة الكسب ، أي من كان يريد بعمله الآخرة نزد له في حرثه بالتضعيف بالواحد عشرة إلى ما شاء الله من الزيادة . قاله مقاتل{[49190]} . وقيل : معناه إنا نزيد في توفيقه وإعانته وتسهيل سبيل الخيرات والطاعات عليه{[49191]} .
وقال الزمخشري : إنه تعالى سمَّى ما يعمله العامل مما يطلب به الفائدة حرثاً على سبيل المجاز{[49192]} . واعلم أنه قد تقدم أن كون الشرط ماضياً والجزاء مضارعاً مجزوماً لا يختص مجيئه بكان خلافاً لأبي الحكم{[49193]} مصنِّف كتاب الإعراب فإنه قال : لا يجوز ذلك إلا مع «كان » إلا في ضرورة شعر .
وأطلق النحويون جواز ذلك وأنشدوا بيت الفرزدق :
4378 دَسَّتْ رَسُولاً بِأَنَّ القَوْمَ إنْ قَدَرُوا *** عَلَيْكَ يَشْفُوا صُدُوراً ذَاتِ تَوْغِيرِ{[49194]}
4379 تَعَشَّ فَإِنْ عَاهَدْتَني لاَ تَخُونِنِي *** نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يَا ذِئْبُ يَصْطَحِبَانِ{[49195]}
وقرأ ابن مقسم والزَّعفرانيُّ ومحبوب : يزد ويؤته{[49196]} بالياء من تحت ، أي الله تعالى .
وقرأ سلام يؤته بضم هاء الكناية{[49197]} وهو الأصل ، وهو لغة الحجاز وتقدم خلاف القراء في ذلك .
قال قتادة : معنى قوله : ومن كان يريد ( حَرْثَ ){[49198]} الدنيا أي يريد جملة حرث الدُّنيا نؤته منها أي نؤته بقدر ما قسم له كما قال : { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ } [ الإسراء : 18 ] وما له في الآخرة من نصيب ؛ لأنه لم يعمل للآخرة قال عليه الصَّلاة والسَّلام : «بَشِّرْ هَذِهِ الأمَّة بالسناء والرِّفْعَةِ والنَّصْرِ والتَّمْكِينِ في الأَرْضِ ، فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الآخِرَةِ للدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ في الآخِرَةِ نَصِيبٌ »{[49199]} واعلم أنه تعالى قال في طلب الآخرة ( إنه ){[49200]} يزيد له في حرثه ولم يذكر أنه يعطيه الدنيا أم لا بل سكت عنه نفياً وإثباتاً .
وأما الطالب{[49201]} الدنيا فبين أنه لا يعطيه شيئاً من نصيب الآخرة على التنصيص ، وهذا يدل على التفاوت العظيم كأنه يقول : الآخرة أصلٌ والدنيا تبعٌ فواجد الأصل يكون واجداً للتَّبع بقدر الحاجة ، إلا أنه لم يذكر ذلك تنبيهاً على أن الدّنيا أحسن من أن يقرن ذكرها بذكر الآخرة . وأيضاً بين أن طالب الآخرة يزاد في مطلوبه وطالب الدنيا يعطى بعض مطلوبه ولا يحصل له في الآخرة من نصيب البتة فبين أن طالب الآخرة يكون حاله أبداً في التزايد ، وأن طالب الدنيا يكون حاله في النقصان والبطلان في الآخرة ، وذلك يدل على تفضيل طلب الآخرة .
وأيضاً فإنه تعالى بين أن منافع الآخرة ومنافع الدنيا ليست حاضرة ناجزةً ، بل لا بدَّ فيهما{[49202]} من الحرث والحرث لا يتأتى إلا بتحمل المشاق ( في البذر ثم التسقية{[49203]} والتنمية ثم الحصد ثم التنقية فلما سمى الله كلا القسمين حرثاً علمنا أن كل واحد منهما لا يحصل ) والمتاعب . ثم بين أنَّ مصير الآخرة إلى الزيادة والكمال وأن مصير الدنيا إلى النُّقصان والعناء ، فكأنه قيل : إذا كان لا بد في القسمين من متاعب الحراثة من التبقية والتنمية{[49204]} و الحصد{[49205]} والتَّنْقِية فصرف هذه المتاعب إلى ما يكون في التزايد الباقي أولى من صرفها إلى ما يكون في التناقص والانقضاء .
قال ابن الخطيب : فإن قيل : ظاهر اللفظ يدل على أن من صلَّى لأجل طلب الثواب أو لأجل دفع العقاب فإنه تصح صلاته ، وأجمعوا على أنها لا تصح .
فالجواب : أنه تعالى قال : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة } ، والحرث لا يَتَأَتَّى إلا بإلقاء البذر الصَّحيح في الأرض ، والبذر الصحيح الجامع للخيرات والسعادات ليس إلا عبودية الله سبحانه وتعالى{[49206]} .
إذا توضأ بغير نية ، لم يصح ، لأنه لم يرد حرث الآخرة ، وذلك لا يحصل بالوضوء العاري عن النية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.