اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗۖ فَقَدۡ جَآءَ أَشۡرَاطُهَاۚ فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ} (18)

قوله : { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } يعني الكافرين والمنافقين ، قال عليه الصلاة والسلام : «مَا يَنْتَظِرُ أَحَدُكُمْ إلاَّ غَنًى مُطْغِياً ، أَوْ فَقْراً مُنْسِياً ، أَوْ مَرَضاً مُفْسِداً أَوْ هرَماً مُفَنِّداً ، أَوْ مَوْتَا مُجْهِزاً أو الدَّجَّال ، والدَّجَّال شَرٌّ غَائِبٍ يَنْتَظِرُ أو السَّاعَةُ ، والسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ »{[51366]} وسميت القيامة بالساعة لسرعة الأمور الواقعة فيها من البعث والحشر والحساب .

قوله : { أَن تَأْتِيَهُمْ } بدل من الساعة بدل اشتمال . وقرأ أبو جعفر الرؤاسيّ{[51367]} : إنْ تَأتِيهِمْ بإنِ الشّرطية{[51368]} وجزم ما بعدها . وفي جوابها وجهان :

أحدهما : أنه قوله : { فأنى لَهُمْ } قال الزمخشري . ثم قال : فإن قلتَ : بم يتصل قوله : { فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا } على القراءتين ؟ قلُت : بإتيان الساعة اتصال العلة بالمعلول كقولك : إنْ أَكْرَمَنِي زَيْدٌ فَأَنَا حَقِيقٌ بالإكْرَامِ أكْرِمهُ{[51369]} .

والثاني : أن الجواب قوله : { فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا } وإتيان الساعة وإن كان متحقّقاً إلا أنهم عُومِلُوا معاملةَ الشَّاكِّ وحالهم كانت كذا{[51370]} .

قوله : { فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا } الأَشْراط جمع شَرْطٍ بسكون الراء وفتحها قال أبو الأسود :

4472 فَإنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ باِلصَّرْمِ بَيْنَنَا *** فَقَدْ جَعَلْتِ أَشْرَاط أَوَّلِهِ تَبْدُو{[51371]}

والأشراط العلامات . ومنه أشراط الساعة . وأَشْرَطَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ أي ألْزَمَهَا أموراً .

قال أوس :

4473 فَأَشْرطَ فِيهَا نَفْسَهُ وَهُوَ مُعْصِمٌ{[51372]} *** فَأَلْقَى بأَسْبَاب لَهُ وَتَوَكَّلاَ{[51373]}

والشرط القطع أيضاً مصدر شرط الجلد يَشْرُطُهُ شَرْطاً .

فصل

قال سهل بن سعد : «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قال بإصبعه هكذا بالوْسْطَى والتي تلي الإبهام : بُعِثْتُ وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنْ » وقال عليه الصلاة السلام : «إنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أن يُرْفَعَ العِلْمُ وَيكْثُرَ الجَهْلُ ويَكْثُرَ الرِّبَا ، ويَكْثُرَ شُرْبُ الْخَمْرِ ، ويَقِلَّ الرِّجَالُ ، وتَكْثُرَ النِّسَاءُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امرأة القيمُ الواحِدُ »{[51374]} وقال عليه الصلاة والسلام : «إذَا ضُيِّعَتِ الأَمانَةُ فَانْتَظِر السَّاعَةَ فقيل : كَيْفَ إضَاعَتُهَا ؟ قَالَ : إذا وُسِّدَ الأَمْرُ إلى غَيْرِ أَهْلِهِ ، فَانْتَظِر السَّاعَة »{[51375]} واعلم أن قوله تعالى : { فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا } يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون بياناً لغاية عِنَادِهِمْ . ويحتمل أن يكون تسليةً لقلب المؤمنين كأنه تعالى لما قال : { فهل ينظرون إلا الساعة } ، فهم منه تعذيبهم ، قال المفسرون : أشراط الساعة مثل انشقاق القمر ، ورسالة محمد عليه الصلاة والسلام{[51376]} .

قوله : { فأنى لَهُمْ } «أَنَّى » خبرٌ مقدم ، و«ذِكْرَاهُم » مبتدأ مؤخر ، أي أَنَّى لهم التذكير . وإذَا وما بعدها معترض . وجوابها محذوف أي كيف لهم التذكير إذا جاءتهم الساعة ؟ فكيف تتذكرون ؟ ويجوز أن يكون المبتدأ محذوفاً أي أنَّى لهم الخلاص{[51377]} ؟ ويكون «ذِكْرَاهُمْ » فاعلاً ب «جَاءَتْهُمْ » . وقرأ أبو عمرو في رواية «بَغَتَّةً » بفتح الغين{[51378]} وتشديد التاء .

وهي صفة فنصبها على الحال ، ولا نظير لها في الصفات ولا في المصادر ، وإنما هي في الأسماء نحو : الجَرَبَّة{[51379]} للجماعة والشَّرَبَّة للمكان{[51380]} . قال الزمخشري : وما أخوفني أن تكون غلطة من الراوي على أبي عمرو ، وأن يكون الصواب : بَغَتَةً بفتح الغين من غير تشديدٍ{[51381]} .

فصل

معنى الآية فمن أين لهم التَّذَكُّر والاتِّعاظ والتوبة إذا جاءتهم ذكراهم أي السّاعة نظيره : { يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسان وأنى لَهُ الذكرى } [ الفجر : 23 ] .


[51366]:ذكره الترمذي في باب الزهد رقم 3.
[51367]:في (ب) الرؤاس وقد سبق التعريف بالرؤاسي.
[51368]:قراءة شاذة انظر الكشاف 3/534 ومختصر ابن خالويه 140.
[51369]:الكشاف 3/534 و535.
[51370]:وهذا رأي أبي حيان في البحر 8/79.
[51371]:من الطويل وهو لأبي الأسود والصرم ـ بالفتح والضم ـ القطع يقول: علامات الصرم تظهر في أول الوصل. والشاهد: أشراط فهي جمع شرط بفتح وسكون وهو العلامة وانظر الكشاف 3/535 وشرح شواهده 4/837 والقرطبي 16/140 والبحر 8/70 وفتح القدير 5/35 والسراج المنير 4/29.
[51372]:في الديوان واللسان والقرطبي والمؤلف رواه كرواية البحر المحيط.
[51373]:من الطويل كسابقه. وشاهده: فأشرط أي ألزم نفسه أمورا. وانظر الديوان 86 والقرطبي 16/240 واللسان شرط 236 والبحر 8/71 والطبري 26/33 والضمير في "فيها" راجع إلى الجبال وأعصم يجوز أن يكون من قولهم: أعصم الراكب إذا لم يثبت على الفرس، وأن يكون من أعصم به إذا تمسك به. والأسباب الحبال وتوكل عليه أي وثق وهو يصف رجلا تدلى من رأس الجبل ليقطع النبعة لاتخاذ القوس منها. وانظر مجمع البيان 9/153.
[51374]:ذكره الإمام أحمد في مسنده 10/387، 406 و2/394 و3/108.
[51375]:مسند الإمام أحمد 2/261 والبخاري باب العلم 1/21 عن أبي هريرة.
[51376]:الرازي 28/60.
[51377]:البحر المحيط 8/80 والتبيان 1162.
[51378]:ذكرها صاحب الكشاف 3/535 ولم ترو في المتواتر عن أبي عمرو وانظر المختصر لابن خالويه 140 وقد ضبطت من المحقق خطأ فضبطها بضم الأول.
[51379]:هي جماعة الحمر. وقيل: هي الغلاظ الشداد منها. وفيها أقوال أخر ذكرها صاحب اللسان 583 جرب.
[51380]:انظر اللسان شرب 2225 ومن معانيها: الموضع أو الأرض التي تنبت العشب اللينة ولا ثالث لهما وجعل بعضهم ثالثا وهو غضبة للغضوب قاله نصر انظر المرجع السابق.
[51381]:الكشاف 3/535.