قوله : { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } يعني الكافرين والمنافقين ، قال عليه الصلاة والسلام : «مَا يَنْتَظِرُ أَحَدُكُمْ إلاَّ غَنًى مُطْغِياً ، أَوْ فَقْراً مُنْسِياً ، أَوْ مَرَضاً مُفْسِداً أَوْ هرَماً مُفَنِّداً ، أَوْ مَوْتَا مُجْهِزاً أو الدَّجَّال ، والدَّجَّال شَرٌّ غَائِبٍ يَنْتَظِرُ أو السَّاعَةُ ، والسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ »{[51366]} وسميت القيامة بالساعة لسرعة الأمور الواقعة فيها من البعث والحشر والحساب .
قوله : { أَن تَأْتِيَهُمْ } بدل من الساعة بدل اشتمال . وقرأ أبو جعفر الرؤاسيّ{[51367]} : إنْ تَأتِيهِمْ بإنِ الشّرطية{[51368]} وجزم ما بعدها . وفي جوابها وجهان :
أحدهما : أنه قوله : { فأنى لَهُمْ } قال الزمخشري . ثم قال : فإن قلتَ : بم يتصل قوله : { فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا } على القراءتين ؟ قلُت : بإتيان الساعة اتصال العلة بالمعلول كقولك : إنْ أَكْرَمَنِي زَيْدٌ فَأَنَا حَقِيقٌ بالإكْرَامِ أكْرِمهُ{[51369]} .
والثاني : أن الجواب قوله : { فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا } وإتيان الساعة وإن كان متحقّقاً إلا أنهم عُومِلُوا معاملةَ الشَّاكِّ وحالهم كانت كذا{[51370]} .
قوله : { فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا } الأَشْراط جمع شَرْطٍ بسكون الراء وفتحها قال أبو الأسود :
4472 فَإنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ باِلصَّرْمِ بَيْنَنَا *** فَقَدْ جَعَلْتِ أَشْرَاط أَوَّلِهِ تَبْدُو{[51371]}
والأشراط العلامات . ومنه أشراط الساعة . وأَشْرَطَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ أي ألْزَمَهَا أموراً .
4473 فَأَشْرطَ فِيهَا نَفْسَهُ وَهُوَ مُعْصِمٌ{[51372]} *** فَأَلْقَى بأَسْبَاب لَهُ وَتَوَكَّلاَ{[51373]}
والشرط القطع أيضاً مصدر شرط الجلد يَشْرُطُهُ شَرْطاً .
قال سهل بن سعد : «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قال بإصبعه هكذا بالوْسْطَى والتي تلي الإبهام : بُعِثْتُ وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنْ » وقال عليه الصلاة السلام : «إنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أن يُرْفَعَ العِلْمُ وَيكْثُرَ الجَهْلُ ويَكْثُرَ الرِّبَا ، ويَكْثُرَ شُرْبُ الْخَمْرِ ، ويَقِلَّ الرِّجَالُ ، وتَكْثُرَ النِّسَاءُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امرأة القيمُ الواحِدُ »{[51374]} وقال عليه الصلاة والسلام : «إذَا ضُيِّعَتِ الأَمانَةُ فَانْتَظِر السَّاعَةَ فقيل : كَيْفَ إضَاعَتُهَا ؟ قَالَ : إذا وُسِّدَ الأَمْرُ إلى غَيْرِ أَهْلِهِ ، فَانْتَظِر السَّاعَة »{[51375]} واعلم أن قوله تعالى : { فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا } يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون بياناً لغاية عِنَادِهِمْ . ويحتمل أن يكون تسليةً لقلب المؤمنين كأنه تعالى لما قال : { فهل ينظرون إلا الساعة } ، فهم منه تعذيبهم ، قال المفسرون : أشراط الساعة مثل انشقاق القمر ، ورسالة محمد عليه الصلاة والسلام{[51376]} .
قوله : { فأنى لَهُمْ } «أَنَّى » خبرٌ مقدم ، و«ذِكْرَاهُم » مبتدأ مؤخر ، أي أَنَّى لهم التذكير . وإذَا وما بعدها معترض . وجوابها محذوف أي كيف لهم التذكير إذا جاءتهم الساعة ؟ فكيف تتذكرون ؟ ويجوز أن يكون المبتدأ محذوفاً أي أنَّى لهم الخلاص{[51377]} ؟ ويكون «ذِكْرَاهُمْ » فاعلاً ب «جَاءَتْهُمْ » . وقرأ أبو عمرو في رواية «بَغَتَّةً » بفتح الغين{[51378]} وتشديد التاء .
وهي صفة فنصبها على الحال ، ولا نظير لها في الصفات ولا في المصادر ، وإنما هي في الأسماء نحو : الجَرَبَّة{[51379]} للجماعة والشَّرَبَّة للمكان{[51380]} . قال الزمخشري : وما أخوفني أن تكون غلطة من الراوي على أبي عمرو ، وأن يكون الصواب : بَغَتَةً بفتح الغين من غير تشديدٍ{[51381]} .
معنى الآية فمن أين لهم التَّذَكُّر والاتِّعاظ والتوبة إذا جاءتهم ذكراهم أي السّاعة نظيره : { يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسان وأنى لَهُ الذكرى } [ الفجر : 23 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.