قوله : { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ } .
أي : هيئاتهم ، ومناظرهم ، { وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } يعني : عبد الله بن أبي وقال ابن عباس : كان عبد الله بن أبي وسيماً جسيماً صحيحاً صبيحاً ذلق اللسان ، فإذا قال ، سمع النبي صلى الله عليه وسلم مقالته ، وصفه الله بتمامِ الصُّورةِ وحسن الإبانةِ{[56740]} .
وقال الكلبي : المراد ابن أبي وجدُّ بن قيس ومعتِّب بن قشير ، كانت لهم أجسام ومنظر وفصاحة{[56741]} .
وفي صحيح مسلم : وقوله : { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ } . كانوا رجالاً [ أجمل ]{[56742]} شيء كأنهم خشبٌ مسنَّدةٌ شبههم بخشب مسندة إلى الحائطِ لا يسمعون ولا يعقلون أشباحٌ بلا أرواحٍ ، وأجسامٌ بلا أحلامٍ{[56743]} .
وقيل : شبههم بالخشب التي قد تآكلت فهي مسندة بغيرها لا يعلم ما في بطنها{[56744]} .
قال الزمخشري{[56745]} : شبهوا في استنادهم بالخشب المسندة إلى حائط ؛ لأنهم أجرام خاليةٌ عن الإيمان والخير بالخشب المسندة إلى الحائط ، لأن الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار ، أو غيرهما من مظان الانتفاع ، وما دام متروكاً فارغاً غير منتفع به فأسند إلى الحائط ، فشبهوا به في عدم الانتفاع ، ويجوز أن يراد بها الأصنام المنحوتة من الخشب المسندة إلى الحيطان .
قرأ قنبل وأبو عمرو والكسائي{[56746]} : «خُشْبٌ » بإسكان الشين . وهي قراءة البراء بن عازب ، واختيارُ عُبيدٍ .
لأنَّ واحدتها خشبة كما تقول : بدنة وبُدْن . قاله الزمخشري{[56747]} .
وقال أبو البقاء{[56748]} : و «خُشبٌ » - بالإسكان والضم - جمع خَشَب ، مثل : أَسَد وأُسْد .
قال القرطبي{[56749]} : وليس في اللغة : «فَعَلَة » يجمع على «فُعُل » ، ويلزم من ثقلها أن تقول : «البُدُن » فتقرأ : «والبُدُنَ » ، وذكر اليزيدي أنه جمع الخشباءِ ، كقوله تعالى : { وَحَدَائِقَ غُلْباً }[ عبس : 30 ] واحدتها : حديقة غلباء .
وقرأ الباقون من السبعة : بضمتين .
وقرأ سعيد بن جبير{[56750]} ، وابن المسيب : بفتحتين .
ونسبها الزمخشري لابن عبَّاس ، ولم يذكر غيره{[56751]} .
فأما القراءة - بضمتين - فقيل : يجوز أن تكون جمع خشبة ، نحو : ثمرة وثُمُر . قاله الزمخشري{[56752]} .
وفيه نظر ؛ لأن هذه الصيغة محفوظة في «فَعَلَة » لا ينقاس نحو : ثَمَرَة وثُمُر .
ونقل الفارسي عن الزبيدي : «أنه جمع : خَشْبَاء ، وأخْشِبَة » غلط عليه ؛ لأنه قد يكون قال : «خُشْب » - بالسكون - جمع «خَشْبَاء » نحو : «حَمْرَاء وحُمْر » لأن «فَعْلاء » الصفة لا تجمع على «فُعُل » بضمتين ، بل بضمة وسكون .
وقوله : الزبيدي ، تصحيف ، إما منه ، وإما من الناسخ ، إنما هو اليزيدي تلميذ أبي عمرو بن العلاء ، ونقل ذلك الزمخشري{[56753]} .
وقيل : هي جمع خشباء ، كما تقدم .
وهي الخشبة التي نُخِر جوفها ، أي : فرغ ، شبهوا بها لفراغ بواطنهم مما ينتفع به{[56754]} .
وأما القراءة - بفتحتين - فهو اسم جنس ، وأنِّثَتْ صفته ، كقوله : { نَخْلٍ خَاوِيَةٍ }[ الحاقة : 7 ] وهو أحد الجائزين .
تنبيه على أنه لا ينتفعُ بها كما ينتفعُ بالخشب في سقفٍ وغيره ، أو شبهوا بالأصنام ؛ لأنهم كانوا يسندونها إلى الحيطان شبهوا بها في حسن صورهم وقلة جدواهم{[56755]} .
وقيل : شُبِّهُوا بالخشب المُسنَّدةِ إلى الحائط ، لأن الخشبة المسنَّدة إلى الحائط أحدُ طرفيها إلى جهة ، والآخرُ إلى جهة أخرى .
والمنافق كذلك لأن أحد طرفيه وهو الباطن إلى جهة أهل الكفر ، والطرف الآخر وهو الظاهرُ إلى جهة أهلِ الإسلام .
ونقل القرطبي{[56756]} عن سيبويه أنه يقال : «خَشَبةٌ وخِشَابٌ وخُشُبٌ » مثل : ثَمَرة وثِمَار وثُمُر ، والإسناد : الإمالة ، تقول : أسندتُ الشيء أي : أملته ، و «مُسَنَّدةٌ » للتكثير ، أي : استندوا إلى الإيمان لحقن دمائهم .
قوله : { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } .
فيه وجهان{[56757]} :
أظهرهما : أن «عليهم » هو المفعول الثاني للحسبان ، أي واقعة وكائنة عليهم ويكون قوله : { هُمُ العدو } جملة مستأنفة ، أخبر الله عنهم بذلك .
والثاني : أن يكون «عليهم » متعلقاً ب «صَيحةٍ » و «هُمُ العَدُوُّ » جملة في موضع المفعول الثاني للحسبان .
قال الزمخشري{[56758]} : «ويجوز أن يكون " هُمُ العَدُوُّ " هو المفعولُ الثَّاني كما لو طرحت الضمير .
فإن قلت : فحقه أن يقال : هي العدُوُّ ، قلت : منظور فيه إلى الخبر كما في قوله : { هذا رَبِّي } [ الأنعام : 77 ] ، وأن يقدر مضافٌ محذوفٌ أي : يحسبون كل أهلِ صيحةٍ » انتهى .
وصفهم الله تعالى بالجُبْنِ والخَوَر .
قال مقاتل والسدي : إذا نادى مناد في العسكر أن انفلتت دابة ، أو أنشدت ضالّة ظنوا أنهم هم المرادون ، لما في قلوبهم من الرعب{[56759]} .
4773 - مَا زِلْتَ تَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ بَعْدَهُمْ***خَيْلاً تكرُّ عَليْهِمُ ورِجَالا{[56760]}
وقيل : { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ } ، أنهم قد فطن بهم وعلم بنفاقهم ؛ لأن للريبة خوفاً ، استأنف الله خطاب نبيه - عليه الصلاة والسلام - فقال : «هم العَدُوُّ » وهذا معنى قول الضحاك{[56761]} .
وقيل : يَحْسَبُونَ كُلَّ صيحةٍ يسمعونها في المسجد أنها عليهم ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر فيها بقتلهم ، فهم أبداً وجلُون من أن ينزل الله فيهم أمراً يبيح به دماءهم ، ويَهْتِكُ به أسْتارهُم ، ثم وصفهم الله بقوله { هُمُ العدو فاحذرهم } حكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم{[56762]} .
قوله : { فاحذرهم } . فيه وجهان{[56763]} :
أحدهما : فاحذر أن تثق بقولهم ، أو تميل إلى كلامهم .
الثاني : فاحذر ممايلتهُم لأعدائك ، وتخذيلهم لأصحابك .
قال ابن عباس : أي : لعنهم الله{[56764]} .
قال أبو مالك : هي كلمةُ ذمٍّ وتوبيخ .
وقد تقول العرب : قاتله اللَّه ما أشعرهُ ، فيضعونه موضع التعجب .
وقيل : معنى { قَاتَلَهُمُ الله } أي : أحلَّهُم محلَّ من قاتله عدو قاهر ، لأن الله تعالى قاهرٌ لكلِّ معاندٍ . حكاه ابن عيسى{[56765]} .
قوله : { أَنَّى يُؤْفَكُونَ } .
قال ابن عطية{[56766]} : ويحتمل أن يكون «أنى » ظرفاً ل «قاتلهم » ، كأنه قال : قاتلهم الله كيف انصرفوا ، أو صرفوا ، فلا يكون في القولِ استفهام على هذا . انتهى .
قال شهاب الدين{[56767]} : وهذا لا يجوز ؛ لأن «أنَّى » إنما تستعمل بمعنى «كيف » ، أو بمعنى «أين » الشرطية أو الاستفهامية ، وعلى التقادير الثلاثة فلا تتمحض للظرف ، فلا يعمل فيها ما قبلها ألبتَّة كما لا يعملُ في أسماءِ الشرط والاستفهام .
قال ابن عباس : «أنَّى يؤفكُونَ » أي : يكذبون{[56768]} .
وقال قتادة : أي يعدلون عن الحق{[56769]} .
وقال الحسن : يُصْرفُونَ عن الرشدِ{[56770]} .
وقيل : معناه كيف تضل عقولهم على هذا مع وضوح الدَّلائل ، وهو من الإفك .
قوله : «أنَّى » بمعنى : «كيف » ، وقد تقدم{[56771]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.