اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَّا ظَلِيلٖ وَلَا يُغۡنِي مِنَ ٱللَّهَبِ} (31)

ثم وصف الظليل ، فقال : { لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللهب } أي : لا يدفع من لهب جهنم شيئاً ، أي : ليس كالظلِّ الذي يقي حر الشمس ، وهذا تهكّم بهم ، وتعريض بأن ظلَّهم غير ظلَّ المؤمنين ، وأنه لا يمنع حرَّ الشمس .

واللهب ما يعلو على النار إذا اضطرمت من أحمر ، وأصفر ، وأخضر .

وقيل : إن الشعب الثلاث من الضَّريع ، والزَّقُّوم ، والغسلين ؛ قاله الضحاك .

وقيل : اللهب ثم الشرر ثُمَّ الدخان ، لأنها ثلاثة أحوال هي غاية أوصاف النار إذا اضطرمت واشتدت .

وقيل : عنق يخرج من النار فيتشعب ثلاث شعب ، فأما النور فيقف على رءوس المؤمنين ، وأما الدخان فيقف على رءوس المنافقين ، وأما اللهب الصافي فيقف على رءوس الكفار .

وقيل : هو السرادق ، وهو لسان من النَّار يحيط بهم يتشعب منه ثلاث شعب ، فيظلهم حتى يفرغ من حسابهم ، لقوله تعالى : { أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } [ الكهف : 29 ] .

وتَسْمِيَةُ النَّار بالظِّل مجاز من حيث إنها محيطةٌ بهم من كل جانب ، لقوله تعالى : { لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النار وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } [ الزمر : 16 ] ، وقال تعالى : { يَوْمَ يَغْشَاهُمُ العذاب مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } [ العنكبوت : 55 ]

وقيل : هو الظل من يحموم لقوله تعالى : { وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } [ الواقعة : 43 ، 44 ] .

وفي الحديث : «إنَّ الشَّمسَ تَدنُو مِنْ رُءوسِ الخَلائقِ ، وليْسَ عَلَيْهِم ولا لَهُمْ أكْفانٌ ، فتَلْحَقُهمُ الشَّمْسُ وتَأخذُ بأنْفَاسِهمْ ، ثُمَّ يُنَجِّي اللهُ بِرحْمَتهِ مَنْ يَشَاءُ إلى ظلِّ من ظلِّه ، فهُناكَ يقُولُونَ : { فَمَنَّ الله عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السموم } [ الطور : 27 ] ويقال للمكذبين : انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون من عذاب الله وعقابه »{[59045]} .

قوله : { لاَّ ظَلِيلٍ } صفة ل «ظلّ » ، و«لا » متوسّطة بين الصفة والموصوف لإفادة النَّفي ، وجيء بالصِّفة الأولى اسماً ، وبالثانية فعلاً دلالة على نفي ثبوت هذه الصِّفةِ واستقرارها للظل ، ونفي التجدد والحدوث للإغناء عن اللَّهب ، يقال : أغني عني وجهك ، أي أبعد ؛ لأن الغنيَّ عن الشيء يباعده كما أن المحتاج إليه يقاربه .

فال الزمخشري : «ولا يغني » في محل الجر ، أي وغير مُغْنٍ عنهم من حر اللهب شيئاً .


[59045]:تقدم.