اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ} (1)

مقدمة السورة:

مدنية في قول الحسن وعكرمة ومقاتل .

قال مقاتل : وهي أول سورة نزلت ب " المدينة " {[1]}

وقال ابن عباس وقتادة : مدنية إلا ثمان آيات ، وهي من قوله تعالىك { إن الذين أجرموا } [ المطففين : 29 ] إلى آخرها مكي{[2]}

وقال الكلبي ، وجابر بن زيد : نزلت بين " مكة " و " المدينة " {[3]}

قوله تعالى : { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } .

«ويلٌ » : ابتداء ، وسوغ الابتداء به كونه دعاء ، ولو نصب لجاز .

وقال مكيٌّ : والمختار في «وَيْل » وشبهه إذا كان غير مضاف الرَّفع ، ويجوز النصب ، فإن كان مضافاً ، أو معرفاً كان الاختيار فيه النَّصب نحو : { وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ } [ طه : 61 ] ، و«للمُطففِينَ » خبره .

والمُطفِّف : المُنْقِص ، وحقيقته : الأخذُ في كيل أو وزنٍ شيئاً طفيفاً ، أي : نزراً حقيراً ، ومنه قولهم : دُون التَّطفيف ، أي : الشيء التافه لقلته .

قال الزجاجُ : إنما قيل للذي ينقص المكيال والميزان مطفِّف ؛ لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلاَّ الشيء اليسير الطفيف .

فصل في تعلق هذه السورة بما قبلها

قال ابن الخطيب{[59553]} : اتصال أوَّل هذه السورة بالمتقدمة أنَّه تعالى بيَّن في آخر تلك السورة أنَّ من صفة يوم القيامة أنه لا تملك نفسٌ لنفسٍ شيئاً ، والأمر يومئذٍ لله ، وذلك يقتضي تهديداً عظيماً للعصاة ، فلهذا أتبعه بقوله تعالى : { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } والمراد منه الزجر على التطفيف ، وهو البَخْس في المكيال والميزان على سبيل الخفية .

واعلم أن الويل كلمة تذكر عند وقوع البلاء ، يقال : ويل لك ، وويل عليك ، وفي اشتقاق لفظ التطفيف قولان :

الأول : قول الزجاج المتقدم .

والثاني : أنَّ طف الشيء ، هو جانبه وحرفه يقال : طفَّ الوادي والإناء إذا بلغ الشيء الذي فيه حرفه ، ولم يمتلئ ، فهو طفافه وطففه ، يقال : هذا طف المكيال وطفافه إذا قارب ملأه ، لكنه بعدُ لم يمتلئ ، ولهذا قيل للذي «ينقص » الكيل ولا يوفيه مطفف . لأنه إنما يبلغ الطفاف .

فصل في نزول الآية

روى ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : «لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم «المدينة » ، كانوا من أبْخَس النَّاس كيلاً ، فأنزل الله تعالى : { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } ، فاجتنبوا الكيل ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها عليهم ، وقال : «خَمْسٌ بِخمْسٍ ، ما نقص قومٌ العَهْدَ إلاَّ سلَّط اللهُ عليهم عدُوَّهُم ، ولا حكمُوا بغيرِ مَا أنْزَلَ اللهُ إلاَّ فَشَا فِيِهمُ الفقرُ ، ولا ظَهَرَ فِيهمُ الفَاحِشَةُ إلاَّ ظَهَرَ فِيهمُ المَوْتُ ، ولا طَفَّفُوا المِكْيَالَ إلاَّ مُنِعُوا النَّباتَ وأخذُوا بالسِّنينَ ، ولا مَنَعُوا الزَّكاةَ إلاَّ حُبِسَ عَنْهُم المَطرُ »{[59554]} .

وقال السديُّ : قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم «المدينة » ، وبها رجل يقال له : أبو جهينة ، ومعه صاعان يكيل بأحدهما ، ويكيل بالآخر فأنزل الله تعالى هذه الآية .

وروى ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : المطفف الرجل الذي يستأجر المكيال ، وهو يعلم أنه يحيف في كيله فوزن عليه{[59555]} .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[2]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/605) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[3]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/612، 613) عن ابن عباس وأبي عبد الرحمن السلمي والضحاك. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (/605) عن أبي عبد الرحمن السلمي وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[59553]:ينظر: الفخر الرازي 31/80.
[59554]:أخرجه الطبري (12/483) وابن ماجه (2/748) والنسائي (6/508) من طريق عكرمة عن ابن عباس. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/536) وزاد نسبته إلى الطبراني وابن مردويه والبيهقي في "شعب الإيمان" بسند صحيح عنه. قلت: وأخرجه ابن حبان (1770-موارد) والحاكم (2/33) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
[59555]:أخرجه الحاكم (2/517) من طريق إبراهيم بن يزيد عن عبد الرحمن بن الأعرج عن ابن عمر. وسكت عنه الحاكم. وقال الذهبي: إبراهيم واه.