اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{رَسُولٞ مِّنَ ٱللَّهِ يَتۡلُواْ صُحُفٗا مُّطَهَّرَةٗ} (2)

قوله تعالى : { رَسُولٌ مِّنَ الله } ، وهو رفع على البدل من «البَيِّنةُ » ، ولأن اللام في «البَيِّنةُ » للتعريف ، أي : هو الذي سبق ذكره في التوراة والإنجيل على لسان موسى وعيسى ، وقد يكون التعريف للتفخيم ؛ إذ هو البينة التي لا مزيد عليها ، والبينة كل البينة ، وكذا التنكير ، وقد جمعهما الله - تعالى- ها هنا - في حق الرسول ، أي : هو رسول ، وأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونظيره : قوله تعالى حين أثنى على نفسه ، فقال سبحانه وتعالى : { ذُو العرش المجيد } [ البروج : 15 ] ثم قال تعالى : { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [ البروج : 16 ] فنكر بعد التعريف .

وقال أبو مسلم{[60604]} : المراد من البينة مطلق الرسل ، فقوله تعالى : { حتى تَأْتِيَهُمُ البينة } أي : تأتيهم رسل من ملائكة الله تعالى ، تتلو عليهم صحفاً مطهرة ، نظيره : { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امرىء مِّنْهُمْ أَن يؤتى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } [ المدثر : 52 ] .

وقال قتادة وابن زيد : «البَيِّنةُ » هي القرآن ، كقوله تعالى : { أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصحف الأولى }{[60605]} [ طه : 133 ] .

قوله : «رسُولٌ » ، العامة : على رفعه بدلاً من «البينة » ، إما بدل اشتمال ، وإما بدل كل من كل على سبيل المبالغة ، جعل الرسول صلى الله عليه وسلم نفس البينة ، أو على حذف مضاف ، أي : بينة رسول .

وقال الفرَّاء : رفع على خبر ابتداء مضمر ، أي : هي رسول ، أو هو رسول من الله ؛ لأن البينة قد تذكَّر ، فيقال : بَيَّنتي فلان .

وقرأ عبد الله وأبيّ{[60606]} : «رسولاً » على الحال من «البينة » .

وقال القرطبي{[60607]} : «بالنصب على القطع » .

قوله : «من اللهِ » يجوز تعلُّقه بنفس «رسول » ، أو بمحذوف على أنه صفة ل «رسول » ، وجوز أبو البقاء ثالثاً ، وهو أن يكون حالاً من «صحفاً » ، والتقدير : يتلو صحفاً مطهرة منزلة من الله{[60608]} تعالى .

يعني كانت صفة في الأصل للنَّكرة ، فلما تقدمت عليها نصبت حالاً .

قوله : «يتلو » يجوز أن يكون صفة ل «رسول » ، وأن يكون حالاً من الضمير في الجار قبله ، إذا جعله صفة ل «رسول » . و «يتلو » : أي : يقرأ ، يقال : تلا يتلو تلاوة . و «صُحُفاً » جمع صحيفة ، وهي ظرف المكتوب .

«مُطهَّرة » ، قال ابن عبَّاسٍ : من الزور ، والشك ، والنفاق ، والضلالة{[60609]} ، وقال قتادة : من الباطل{[60610]} .

وقيل : من الكذب والشبهات ، والمعنى واحد [ أي : يقرأ ما تتضمن الصحف من المكتوب بدليل أنه كان يتلو على ظهر قلب لا عن كتاب ، ولأنه كان أميًّا لا يقرأ ، ولا يكتب ، ومطهرة من نعت الصحف كقوله تعالى : { فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ } [ عبس : 13 ، 14 ] فالمطهرة : نعت للصحف في الظاهر ، وهو نعت لما في الصحف من القرآن .

وقيل : مطهرة أي : لا يمسها إلا المطهرون كما تقدم في سورة «الواقعة » .

وقيل : الصحف المطهرة هي التي عند الله - تعالى - في أم الكتاب الذي منه نسخ ما أنزل على الأنبياء صلوات الله عليهم من الكتب لقوله تعالى : { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ }{[60611]} [ البروج : 21-22 ] .


[60604]:ينظر: الفخر الرازي 32/40.
[60605]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/656)، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/642)، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[60606]:ينظر: الكشاف 4/782، والمحرر الوجيز 5/507، والبحر المحيط 8/495، والدر المصون 6/552.
[60607]:الجامع لأحكام القرآن 20/96.
[60608]:الإملاء 2/291.
[60609]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (20/96).
[60610]:ينظر المصدر السابق.
[60611]:سقط من: ب.