السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{رَسُولٞ مِّنَ ٱللَّهِ يَتۡلُواْ صُحُفٗا مُّطَهَّرَةٗ} (2)

وقوله تعالى : { رسول } أي : عظيم جدّاً بدل من البينة بنفسه ، أو بتقدير مضاف ، أي : سنة رسول ، أو مبتدأ وزاد عظمته بقوله تعالى واصفاً له : { من الله } أي : الذي له الجلال والإكرام وهو محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه في نفسه بينة وحجة ، ولذلك سماه الله تعالى سراجاً منيراً ، ولأنّ اللام في البينة للتعريف ، أي : هو الذي سبق ذكره في التوراة والإنجيل على لسان موسى وعيسى عليهم السلام . وقد يكون التعريف للتفخيم ؛ إذ هو البينة التي لا مزيد عليها ، والبينة كل البينة ، وكذا التنكير ، وقد جمعها الله تعالى هاهنا في حق الرسول صلى الله عليه وسلم .

ونظيره : قوله تعالى حين أثنى على نفسه : { ذو العرش المجيد 15 فعال لما يريد } [ البروج ، الآيتان : 15 16 ] فنكر بعد التعريف . وقال أبو مسلم : المراد من البينة مطلق الرسول ، وما معه من الآيات التي أعظمها الكتاب سواء التوراة أو الزبور أو الإنجيل أو القرآن ، وعبر بالمضارع لتجدّد البيان في كل وقت بتجدّد الرسالة والتلاوة . وقال البغوي : لفظه مستقبل ومعناه الماضي ، أي : حتى أتتهم البينة ، وتبعه على ذلك الجلال المحلى . وقوله تعالى : { يتلو صحفاً } صفة الرسول ، أو خبره ، والرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان أمّياً لكنه لما تلا مثل ما في الصحف كان كالتالي لها . وقيل : المراد جبريل عليه السلام ، وهو التالي للصحف المنتسخة من اللوح التي ذكرت في سورة عبس ، ولا بدّ من مضاف محذوف وهو الوحي . والصحف جمع صحيفة وهي : القرطاس ، والمراد فيها عبر بها عنه لشدّة المواصلة { مطهرة } أي : في غاية الطهارة والنزاهة من كل قذر مما جعلنا لها من البعد عن الأدناس بأنّ الباطل من الشرك بالأوثان ، وغيرها من كل زيغ لا يأتيها من بين يديها ولا من خلفها ، وأنها لا يمسها إلا المطهرون .