فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{رَسُولٞ مِّنَ ٱللَّهِ يَتۡلُواْ صُحُفٗا مُّطَهَّرَةٗ} (2)

{ رسول من الله يتلو صحفا مطهرة } يعني ما تتضمنه الصحف من المكتوب فيها ، وهو القرآن ، ويدل على ذلك أنه كان يتلو عن ظهر قلبه لا عن كتاب ، انتهى كلامه .

وقيل : إن الآية حكاية لما كان يقوله أهل الكتاب والمشركون : إنهم لا يفارقون دينهم حتى يبعث النبي الموعود به ، فلما بعث تفرقوا كما حكاه الله عنهم في هذه السورة ، والمراد بالبينة على ما قاله الجمهور هو محمد صلى اله عليه وآله وسلم ، لأنه في نفسه بينة وحجة ، ولذلك سماه { سراجا منيرا } .

وقد فسر الله سبحانه هذه البينة المجملة بقوله { رسول من الله } فاتضح الأمر وتبين أنه المراد بالبينة ، وقال قتادة وابن زيد : البينة هي القرآن كقوله { أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى } وقال أبو مسلم : المراد بها مطلق الرسل ، والمعنى حتى تأتيهم رسل من الله وهم الملائكة ، والأول أولى .

قرأ الجمهور برفع رسول على أنه بدل كل من كل على سبيل المبالغة ، أو بدل اشتمال ، قال الزجاج : رسول رفع على البدل من البينة ، وقال الفراء : رفع على أنه خبر مبتدإ مضمر ، أي هي رسول أو هو رسول ، وقرأ ابن مسعود وأبيّ رسولا بالنصب على القطع ، وقوله { من الله } متعلق بمحذوف هو صفة لرسول ، أي كائن من الله ، ويجوز تعلقه بنفس رسول .

{ يتلو صحفا مطهرة } صفة أخرى لرسول أو حال ، وقال أبو البقاء : التقدير يتلو صحفا مطهرة منزلة من الله ، ومعنى يتلو يقرأ ، يقال : تلا يتلو تلاوة ، والصحف جمع صحيفة ، وهي ظرف المكتوب ، ومعنى مطهرة أنها منزهة من الزور والضلال ، قال قتادة : مطهرة من الباطل .

قال الشهاب : تطهير الصحف كناية عن كونها ليس فيها باطل على الاستعارة المصرحة أو المكنية ، وقيل : مطهرة من الكذب والشبهات والكفر ، والمعنى واحد ، وقيل : معظمة ، وقيل : لا ينبغي أن يمسها إلا المطهرون ، والأول أولى .

والمعنى أنه يقرأ ما تتضمنه الصحف والقراطيس من المكتوب فيها ، فالكتب بمعنى المكتوبات في القراطيس ، فالقرآن بجمع ثمرة كتب الله المتقدمة عليه ، والرسول وإن كان أميا لكنه لما تلا ما في الصحف كان كالتالي لها ، فصح نسبة تلاوة الصحف إليه ، وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ من كتاب ، وإنما يقرأ بالوحي عن ظهر قلب .