اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ} (5)

قوله : { وَمَآ أمروا } . يعني هؤلاء الكفار في التوراة والإنجيل { إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله } أي : يوحدوه ، واللام في { لِيَعْبُدُواْ } بمعنى «أنْ » كقوله تعالى : { يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } [ النساء : 26 ] ، أي : أن يبين ، و { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله } [ الصف : 8 ] .

قوله : { مُخْلِصِينَ لَهُ الدين } . العامة : على كسر اللام ، اسم فاعل ، وانتصب به الدين .

والحسن{[60614]} : بفتحها ، على أنهم يخلصون هم أنفسهم في شأنهم .

وانتصب «الدِّينَ » على أحد وجهين : إما إسقاط الخافض ، أي : «في الدين » ، وإما على المصدر من معنى «ليعبدوا » ، وكأنه قيل : ليدينوا الدين ، أو ليعبدوا العبادة . [ فالتجوز إما في الفعل ، وإما في المصدر ، وانتصاب مخلصين على الحال من فاعل «يعبدون » ]{[60615]} .

قوله : «حنفاء » حال ثانية ، أو حال من الحال قبلها ، أي : من الضمير المستكن فيها .

[ قوله : { وَمَآ أمروا } أي : وما أمروا بما أمروا به إلا لكذا ، وقرأ عبد الله{[60616]} : وما أمروا إلا أن يعبدوا ، أي بأن يعبدوا ، وتقديم تحرير مثله عند قوله تعالى : { وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ العالمين } في سورة الأنعام : [ آية : 71 ] ] {[60617]} .

فصل في معنى الآية

قال المفسرون : المعنى ، وما أمر هؤلاء الكفار في التوراة والإنجيل { إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله } ، أي : ليوحدوه ، واللام بمعنى «أنْ » كقوله تعالى : { يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } [ النساء : 26 ] ، ومنه قوله تعالى : { قُلْ إني أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله مُخْلِصاً لَّهُ الدين } [ الزمر : 11 ] أي : العبادة ، وفي هذا دليل على وجوب النية في العبادات ، فإن الإخلاص عمل القلب ، وهو أن يراد به وجه الله لا غيره ، وقوله تعالى : { حُنَفَآءَ } ، أي : مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام ، وكان ابن عباس يقول : حنفاء : على دين إبراهيم عليه السَّلام{[60618]} .

وقيل : الحنيف : من اختتن وحجّ ، قاله سعيد بن جبير .

وقال أهل اللغة : وأصله أنه تحنف إلى الإسلام ، أي : مال إليه .

قوله : { وَيُقِيمُواْ الصلاة } ، أي يصلُّوها في أوقاتها { وَيُؤْتُواْ الزكاة } ، أي : يعطوها عند محلها ، وقوله : { وَذَلِكَ دِينُ القيمة } أي : ذلك الدين الذي أمروا به دين القيمة ، أي : الدين المستقيم ، وقال الزجاج أي : ذلك دين الملة المستقيمة ، و«القَيِّمَةِ » نعت لموصوف محذوف ، وقيل : «ذلك » إشارة إلى الدين ، أي ذلك الدين الذي أمروا به ، أي الدين المستقيم ، أي ذلك دين الأمة القيمة .

وقال محمد بن الأشعث الطالقاني : الكتب القيمة ؛ لأنها قد تقدمت في الذكر ، قال تعالى : { فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } فلما أعادها مع «أل » العهدية ، كقوله تعالى : { فعصى فِرْعَوْنُ الرسول } [ المزمل : 16 ] ، وهو حسن .

وقرأ الحسن ، وعبد الله{[60619]} : «وذلك الدين القيمة » ، والتأنيث حينئذٍ ، إما على تأويل الدين بالملة ، كقوله : [ البسيط ]

5264- . . . *** سَائِلْ بَنِي أسدٍ مَا هَذهِ الصَّوتُ{[60620]}

وقال الخليل : القيمة جمع القيم ، والقيم والقيمة واحد ، بتأويل : الصيحة ، وإما على أنها تاء المبالغة : ك «علامة » .

وقال الفراء : أضاف الدين إلى «القيمة » وهو نعته ، لاختلاف اللفظين ، وعنه أيضاً : هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه ، ودخلت الهاء للمدح .


[60614]:ينظر: المحرر الوجيز 5/508، والبحر المحيط 8/495، والدر المصون 6/552.
[60615]:سقط من: ب.
[60616]:ينظر: الجامع لأحكام القرآن 20/97.
[60617]:سقط من: ب.
[60618]:ينظر القرطبي (20/96).
[60619]:ينظر: البحر المحيط 8/495، والدر المصون 6/552.
[60620]:تقدم.