مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَيۡهِم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يُؤۡمِنُ بِٱلۡأٓخِرَةِ مِمَّنۡ هُوَ مِنۡهَا فِي شَكّٖۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظٞ} (21)

قوله تعالى : { وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك على كل شيء حفيظ }

قد ذكرنا في تفسير قوله تعالى : { فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } أن علم الله من الأزل إلى الأبد محيط بكل معلوم وعلمه لا يتغير وهو في كونه عالما لا يتغير ولكن يتغير تعلق علمه ، فإن العلم صفة كاشفة يظهر بها كل ما في نفس الأمر فعلم الله في الأزل أن العالم سيوجد ، فإذا وجد علمه موجودا بذلك العلم ، وإذا عدم يعلمه معدوما بذلك ، مثاله : أن المرآة المصقولة فيها الصفاء فيظهر فيها صورة زيد إن قابلها ، ثم إذا قابلها عمرو يظهر فيها صورته ، والمرآة لم تتغير في ذاتها ولا تبدلت في صفاتها ، إنما التغير في الخارجات فكذلك ههنا قوله : { إلا لنعلم } أي ليقع في العلم صدور الكفر من الكافر والإيمان من المؤمن وكان قبله فيه أنه سيكفر زيد ويؤمن عمرو .

وقوله : { وما كان له عليهم من سلطان } إشارة إلى أنه ليس بملجئ وإنما هو آية ، وعلامة خلقها الله لتبيين ما هو في علمه السابق ، وقوله : { وربك على كل شيء حفيظ } يحقق ذلك أي الله تعالى قادر على منع إبليس عنهم عالم بما سيقع ، فالحفظ يدخل في مفهومه العلم والقدرة ، إذ الجاهل بالشيء لا يمكنه حفظه ولا العاجز .