قوله : { يَقُولُونَ } أي : يقول هؤلاء المكذِّبون المنكِرُونَ للبعث إذا قيل لهم : إنكم تُبْعَثُون ، قالوا منكرين متعجبين : أنُرَدُّ بعد موتتنا إلى أول الأمر ، فنعود أحياء ، كما كنا قبل الموت ؟ وهو كقولهم : { أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } [ الإسراء : 49 ] .
قوله : { فِي الحافرة } «الحافرة » : التي يرجعُ الإنسان فيها من حيث جاء ، يقال : رجع في حافرته ، ثم يعبر عن الرجوع في الأحوال من آخر الأمر إلى أوله ؛ قال : [ الوافر ]
5089- أحَافِرةً عَلى صَلعٍ وشَيْبٍ ؟ *** مَعاذَ اللهِ من سَفهٍ وعَارِ{[59242]}
يقول : أأرجعُ ما كنت عليه في شبابي مع الغزلِ والصبا بعد أن شبت وصلعت ؟ .
وأصله : أنَّ الإنسان إذا رجع في طريقه أثرت قدماه فيها حفراً .
وقال الراغبُ ، في قوله تعالى : { فِي الحافرة } مثل لمن يرد من حيث جاء ، أي : أنَحْيَا بعد أن نموت ؟ .
وقيل : «الحَافرة » ، الأرضُ التي جُعلتْ قبُورهُمْ فيها ، ومعناه : أئِنَّا لمردودون ونحن في الحافرة ؟ أي : في القبور .
وقوله : «في الحافرة » على هذا في موضع الحال ، ويقال : رجع الشيخ إلى حافرته ، أي : هرم لقوله تعالى : { وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر } [ النحل : 70 ] .
وقولهم : «النقد عند الحافرة » لما يباع نقداً ، وأصله من{[59243]} الفرس إذا بيع ، فيقال : لا يزول حافره ، أو ينقد ثمنه .
والحفر : تآكل الأسنان ، ود حفر فوه حفراً ، وقد أحفر المهر للأثناء والأرباع .
والحافرة : «فاعلة » بمعنى : «مفعولة » ، وهي الأرض التي تحفر قبورهم فيها فهي بمعنى : «المحفورة » ، كقوله تعالى : { مَّآءٍ دَافِقٍ } [ الطارق : 6 ] ، و{ عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [ القارعة : 7 ] ، والمعنى : أئِنَّا لمردودون في قبورنا .
وقيل : على النسب ، أي : ذاتُ حفر .
وقيل : سُمِّيت الأرض الحافرة ؛ لأنها مستقر الحوافر ، كما سمِّيت القدم أرضاً ؛ لأنها على الأرض ، لقولهم : الحافرة جمع حافرة بمعنى : القدم أي : نمشي أحياء على أقدامنا ، ونطأ بها الأرض .
ويقول التجار : «النقد في الحافرة » أي في أول السّوم ؛ وقال الشاعر : [ السريع ]
5090- آلَيْتُ لا أنْسَاكُم فاعْلَمُوا *** حَتَّى يُرَدَّ النَّاسُ في الحَافِرَهْ{[59244]}
وقال ابن زيدٍ : الحافرة «النَّار » ، وقرأ : «تلك إذا كرَّه خاسرة »{[59245]} .
وقال مقاتلٌ وزيدُ بن أسلم : هي اسم من أسماء النار{[59246]} .
وقال ابنُ عبَّاسٍ : الحافرة في كلام العرب : الأرض التي تغيَّرت وأنتنت بأجسادِ موتاها{[59247]} ، من قولهم : حفرت أسنانه ، أي : تآكلت ، أي : دكها الوسخُ من باطنها وظاهرها ، ويجوز تعلقه ب «مردودون » ، أو : بمحذوف على أنه حال .
قال ابن الخطيب{[59248]} : هذه الأحوال المتقدمة هي أحوال القيامة عند جمهور المفسرين .
وقال أبو مسلم : هذه الأحوال ليست هي أحوال القيامة ؛ لأنه فسَّر «النَّازعات » بنزعِ القوسِ ، و " الناشطات " بخروج السهم ، و " السابحات " بعدو الفرس ، و " السابقات " بسبقها ، و«المُدبِّرات » بالأمور التي تحصل أدبار ذلك الرمي ، والعدو ، ثم بنى على ذلك فقال : «الرَّاجفَة » هي خيلُ المشركين ، وكذلك «الرَّادفة » ، وهما طائفتان من المشركين غزوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقت إحداهما الأخرى ، والقلوب الواجفة ، هي القلقةُ ، والأبصار الخاشعة ، هي أبصار المنافقين ، كقوله تعالى : { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ مِنَ الموت } [ محمد : 20 ] ، كأنَّه قيل : لمَّا جاء خيل العدو ترجف ؛ لأنها اضطربت قلوب المنافقين خوفاً ، وخشعت أبصارهم جُبْناً وضَعْفاً ثم قالوا : «أئِنَّا لمردودون فِي الحَافِرَةِ » أي : نرجع إلى الدنيا حتى نتحمّل هذا الخوف لأجلها . وقالوا أيضاً : «تِلْكَ إذا كَرَّة خَاسِرةٌ » ، فأول هذا الكلام حكاية لحال من غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين ، وأوسطه حكاية لحال المنافقين ، وآخره حكاية لكلام المنافقين في إنكار الحشر ، ثم إنه - تعالى - أجاب عن كلامهم بقوله تعالى : { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُم بالساهرة } .
قال ابن الخطيب{[59249]} : وكلام أبي مسلم محتملٌ ، وإن كان على خلاف قولِ الجمهور .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.